مقالات

مصر تلوح لأول مرة بضرب عمق إسرائيل .. وأوروبا تنفق المليارات استعداداً لزمن الحرب

✍️ يوحنا عزمي 

في لحظات نادرة من التاريخ ، تتسارع الأحداث كأن عقارب الساعة تفقد اتزانها ، وتبدأ الأمم تشعر بأنها واقفة على حافة هاوية أو أمام منعطف حاسم. هذه اللحظة – بكل ما تحمله من قلق وارتباك – تبدو وكأنها عادت لتفرض نفسها من جديد.

خلال الأيام القليلة الماضية ، شهد العالم تطورات متلاحقة تحمل إشارات مقلقة : تصريحات مصرية غير مسبوقة تهدد بالانتقال من “السلام البارد” إلى المواجهة المباشرة مع إسرائيل ، أوروبا ترفع إنفاقها الدفاعي إلى مستويات لم تصلها منذ الحرب العالمية الثانية، روسيا تصعّد ضرباتها في قلب كييف بعد تحالف اقتصادي استراتيجي مع الصين ، بينما الشرق الأوسط يغلي كبرميل بارود على وشك الانفجار.

مصر ترفع السقف السياسي والعسكري

في الرابع من سبتمبر ، أطلق ضياء رشوان – رئيس هيئة الاستعلامات المصرية ، وهي هيئة تتبع رئاسة الجمهورية – تصريحات وُصفت بأنها الأخطر منذ عقود. رشوان قال بوضوح إن “مصر لا تحب الحرب لكنها جاهزة لها”، مذكراً بأن “المسافة بين العريش وتل أبيب لا تتجاوز 100 كيلومتر”، وأن “ما حدث في أكتوبر 1973 كان نزهة مقارنة بما يمكن أن يحدث الآن”.

هذه التصريحات لا يمكن اعتبارها مجرد آراء شخصية لمسؤول إعلامي. بحكم منصبه ، تعكس رسائل الدولة المصرية ذاتها ، وتوجه إنذاراً مباشرًا لإسرائيل : إذا استمر التصعيد ، فإن باب المواجهة المباشرة قد يُفتح لأول مرة منذ نصف قرن.

تحولات إقليمية مقلقة

التصعيد لا يقتصر على القاهرة وتل أبيب. تقارير إقليمية تشير إلى أن إيران ترفع جاهزيتها العسكرية استعدادًا لمواجهة محتملة مع إسرائيل. تركيا من جانبها لوحت بقطع العلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب ، بينما تتحدث تقارير استخباراتية عن تحضيرات أنقرة لملاجئ ومخابئ تحت الأرض ، تحسبًا لحرب قد تندلع في الشرق الأوسط أو أوروبا.

وفي البحر الأحمر ، يواصل الحوثيون هجماتهم على الملاحة ، فيما يبقى العراق وسوريا ولبنان فوق خطوط النار ، مما يضع المنطقة بأكملها على فوهة بركان.

أوروبا تدخل “عصر التسلح”

الأكثر إثارة للانتباه هو ما يحدث في القارة العجوز. تقارير حديثة كشفت أن الاتحاد الأوروبي أنفق عام 2024 أكثر من 343 مليار يورو على الصناعات العسكرية، مع توقعات بارتفاع الرقم إلى 381 ملياراً بحلول 2025، أي ما يعادل 2.5% من الناتج المحلي الأوروبي.

ألمانيا تقود هذا السباق المحموم. برلين رفعت إنفاقها العسكري بنسبة 28% ليصل إلى 88.5 مليار دولار، وأطلقت صندوقًا ضخمًا بقيمة 500 مليار يورو لتحديث البنية التحتية وبناء قوة عسكرية مستعدة لحرب محتملة. بولندا بدورها خصصت 4.2% من اقتصادها للدفاع ، وهو أعلى معدل في الناتو. أما الحلف نفسه فيخطط لرفع إنفاقه العسكري إلى 5% من الناتج المحلي بحلول 2035، ما يعادل 1.6 تريليون دولار.

روسيا والصين : تحالف “ما بعد أوكرانيا”

روسيا تعيش بعقلية “اقتصاد الحرب”. إنفاقها العسكري قفز إلى 149 مليار دولار عام 2024، أي 7.1% من الناتج المحلي، وهو رقم يعكس تحول البلاد إلى آلة عسكرية شاملة.

لكن الأهم هو تحالفها مع الصين. قبل أيام ، أعلنت موسكو وبكين عن مشروع خط الغاز العملاق “قوة سيبيريا 2″، الذي سينقل 50 مليار متر مكعب من الغاز إلى الصين سنويًا. هذا المشروع لا يمثل مجرد صفقة تجارية ، بل إعادة رسم لخريطة الطاقة العالمية ، وإنهاء لورقة الضغط الأوروبية ضد روسيا.

الصين من جانبها تواصل بناء قوتها بهدوء ، بينما تتحدث تقارير أمريكية عن خطط لغزو تايوان بحلول 2027. السيطرة على الجزيرة – عصب صناعة الشرائح الإلكترونية عالميًا – قد تعني ببساطة انتقال مركز الهيمنة الاقتصادية والتكنولوجية من الغرب إلى الشرق.

أربعة سيناريوهات للمستقبل

من مجمل هذه التحولات ، تتبلور أربعة سيناريوهات رئيسية :

1. تصعيد أوروبي – روسي : روسيا تحسم المعركة في أوكرانيا وتتوسع في أوروبا ، فتندلع حرب شاملة تشارك فيها الولايات المتحدة.

2. صراع صيني – غربي : غزو صيني لتايوان يقود إلى مواجهة مباشرة مع أمريكا والناتو في بحر الصين الجنوبي.

3. انفجار شرق أوسطي : مواجهة مباشرة بين إسرائيل ومصر أو إيران ، تفتح أبواب حرب إقليمية مدمرة.

4. السيناريو الكارثي : اندلاع هذه الجبهات كلها في وقت واحد ، لتتشكل ملامح حرب عالمية ثالثة ، مجهولة النتائج ، قد تهدد الحضارة الإنسانية ذاتها.

إلى أين؟

العالم اليوم يعود بوضوح إلى نظام المعسكرين : شرق في مواجهة غرب. الفرق أن الأدوات العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية أكثر خطورة بما لا يُقاس عما كان في الحرب الباردة. في ظل وجود قادة يراهنون على التصعيد ، مثل نتنياهو وترامب ، يصبح السؤال المطروح : هل نحن بالفعل على أعتاب حرب عالمية ثالثة؟ 

أم أن هناك فرصة أخيرة لوقف هذا الانزلاق نحو المجهول؟

إذا كان العالم اليوم يعيد تشكيل نفسه على وقع تحالفات كبرى بين الشرق والغرب ، فإن الشرق الأوسط يظل هو “برميل البارود” الأكثر خطورة. هنا تتقاطع مصالح القوى العظمى، وهنا تتراكم أزمات عقود من الاحتلال والحروب والاضطرابات ، وهنا أيضًا يكمن الخطر الحقيقي : شرارة صغيرة قد تشعل النار في الخريطة كلها.

قد تبدأ الشرارة من تصريح مصري ، أو مناورة إيرانية ، أو قصف إسرائيلي ، أو حتى هجوم حوثي في البحر الأحمر. لكن ما هو مؤكد أن هذه الشرارة، إذا اشتعلت ، لن تبقى محصورة في حدودها. ستجد القوى العالمية نفسها مجبرة على التدخل ، وستتحول المواجهات المنفصلة إلى صراع شامل يعصف بالنظام الدولي.

في النهاية ، يظل السؤال مفتوحاً :

هل نحن بالفعل أمام بداية النهاية للنظام العالمي الذي استقر منذ الحرب العالمية الثانية؟

أم أن هناك فرصة أخيرة ، ربما عبر مفاوضات سرية أو تسويات كبرى ، تمنع البشرية من السقوط في أتون حرب ثالثة لا يعرف أحد مداها؟

ما هو واضح أن العالم لم يعد كما كان ، وأن ما يجري الآن ليس مجرد “أحداث متفرقة”، بل مقدمات لزمن جديد .. زمن قد يولد من رحم الفوضى ، لكنه قد يكتب أيضًا آخر فصول الإمبراطورية الغربية كما نعرفها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!