مهما بلغت وفرة المعلومات المتاحة للمحللين السياسيين الدوليين عن المرحلة الراهنة من تطور أزمة العلاقات الإيرانية الإسرائيلية الأمريكية ، والتي بات العالم يتصور انها تقترب من حافة الحرب التي قد تجر الشرق الأوسط برمته إلي كارثة هائلة غير معلومة المدي او النتائج ، إلا ان التنبؤ الدقيق بما يمكن ان تكون عليه سيناريوهات الأحداث المقبلة في هذه المنطقة المتأخمة بالصراعات المسلحة والأزمات الساحنة بتشابكاتها المعقدة مع بعضها ، هو في رأينا أمر من الصعوبة بمكان ، بعيدا عن الضجيج الإعلامي الدولي الحالي الذي يحاول تكريس الانطباع لدي الرأي العالمي بأن قرار الحرب دخل مرحلة العد التنازلي ..
وهو ما دعا العديد من الحكومات إلي تحذير رعاياها من السفر إلي دول الأزمة إلا للضرورة القصوى .. وكلها تتذرع في تحذيراتها لرعاياها بأنها تستند فيها إلي أساس من المعلومات المخابراتية الدقيقة الموثوق فيها .. مثلما فعل الرئيس الأمريكي بايدن نفسه عندما صرح بأن الهجوم الإيراني المرتقب علي إسرائيل سوف يحدث عاجلا وليس آجلا .. واعفي نفسه من الدخول في التفاصيل مكتفيا بإطلاق تحذيره الذي كان له وقعه المدوي في كل مكان.
هذه التحذيرات الصادرة عن أعلي واخطر مراكز إتخاذ القرار في العالم ، اي عن مؤسسة الرئاسة الأمريكية وعن اجهزة مخابراتها يجب ان نتعامل معها بتحفظ وحذر وألا نأخذها علي محمل التسليم بأن الحرب قادمة لا محالة ..
وان تحريك امريكا لمدمراتها والدفع بها إلي شرق المتوسط في مظاهرة بحرية جديدة لترهيب إيران وردعها عن الهجوم علي إسرائيل يكفي شاهدا علي دقة وجدية هذه المعلومات المخابراتية من مصادرها الأمريكية ..
فايران في تصوري ليست غافلة عن هذا كله ، وهي لا تحتاج إلي هذا الحشد البحري الأمريكي الضخم لكي ترتدع وتعيد حساباتها للموقف بكل أبعاده واحتمالاته .. وهي تعلم ان اي مواجهة مع امريكا وإسرائيل سوف تنتهي بها إلي كارثة عسكرية هائلة وبما سوف يفوق بالتأكيد قدرتها علي احتماله واستيعاب عواقبه وتداعياته ..
وهي تعلم كذلك أنه لم يبقي أمام الإدارة الأمريكية الحالية في الحكم سوي بضعة شهور لا تتجاوز اصابع اليد الواحدة وانها غالبا راحلة لفشلها في إدارة الكثير من الملفات الداخلية والخارجية ، وان محاولة تمرير الأزمة الراهنة بدون صدام عسكري مباشر معها سيكون بالنسبة لإيران هو افضل وأسلم الخيارات المتاحة والممكنة بالنسبة لها في مثل هذه الظروف الحرجة والشائكة ، وان الموقف الذي التزمت به خلال الشهور الستة الماضية من حرب إسرائيل علي غزة ..
وانتهاجها لسياسة الترقب الحذر وتجنب التصعيد بكل صوره واشكاله مع إسرائيل حول غزة سوف يوفر عليها إحتمال التورط المباشر في حرب شاملة ضد إسرائيل سوف تكون حرب تكسير عظام قاتلة بكل ما يحمله هذا التعبير من معني ..
وان ما حدث لقنصليتها في دمشق يبقي خسارة محدودة نسبيا يمكن تحملها وتجاوزها والتغلب علي آثارها خاصة وان الهجوم عليها حدث في دمشق وليس في طهران اي علي أرض دولة اخري هي التي تتحمل المسئولية عن توفير الحماية اللازمة للمقرات الدبلوماسية الأجنبية داخل أراضيها ، وان ما قاله المرشد الأعلى للثورة مهدداً فيه بالانتقام من إسرائيل كان لتهدئة اعصاب الإيرانيين وامتصاص غضبهم دون ان يلزم نفسه بتحديد طبيعة هذا الرد الانتقامي ومداه او توقيته ، ولأن البديل سوف يكون فادحا في تكاليفه واعبائه وتبعاته ومخاطره
ولا يساورني شك في ان هذا كله ماثل أمامه الآن في تقييمه للموقف ولما يناسبه من قرارات .. ومن ثم ، فإنه لن يصدمني او يفاجئني ان تخذل القيادة الإيرانية كل ما يروج له الإعلام الدولي حاليا من توقعات حول هذه الحرب الإقليمية الوشيكة وسوف تجد مخرجا آمنا لها من هذه الأزمة يوفر علي إيران الكثير من الكوارث والاهوال مما تعتقد انها في غني عنه ..
ولتوفر ايضا علي هذه المنطقة كلها حربا قد تهوي بها إلي دوامة مخيفة من الفوضي والتسيب والدمار ، ويكفيها ما هي فيه فعلاً من أزمات ساخنة وحروب أهلية وصراعات مسلحة تفترس دولها في كل مكان.