بقلم / نـدى سُليمان
فتَّشتُ دفاتري القديمة كمن يستدل على آثار الزمان على قسمات حياته، وملامح روحهِ.
بدونِ قصدٍ أنكشفت أمامي عبارةً جرَّتني بضعفٍ إلى أخرى ثم إلى أخرى..
بفضولِ الأطفال ووجع المكلومين تسلَّلتُ بين غيابات السطور باحثةً عن قبسٍ يضيئ فيكشفُ لي عن بقعةِ نجاةٍ فيما وصلتُ إليه الآن.
أو عن آثار خطواتٍ في طريقٍ يؤدي إلى الراحةِ..أسلُكُه!
تناثرت أمام عينيَ الكلمات، تلألأت كالنجوم المُغرية في سماءِ ليلٍ دامس، أغرتني فأبحرتُ أقرأُ نهمًا.
كَشَفَت الدفاتر عن وجعٍ قديم، وليالي من الفَزَع.
وَضح لي ما كُنت أتعمَّد نسيانَه، تلك اللوعات التي أتجرع مرارتها منذ سنين، مرَّت بسرعة الجنون!
فلم أدرى حينها أأحزن لسرعة مرور تلك السنوات أم لأنها مرَّت وجراحي ما زالت تنزف، وفاقة كبيرة بداخلي لم يسدها تعاقب الأيام.
أتوغل في ذاكرة الألم أكثر ليتبيَّن لي _ واهمةً _ أن ما أنا عليه الآن هو النجاة الحقيقية لشخصٍ إلتقمَهُ الحوت لسنواتٍ ثم وأخيرًا لَفَظَهُ.
لا تحت شجرةٍ من يقطين بل تحت غُصنٍ من الشوكِ نَبَذه.
ولسان حالهِ يُردد:
ظلمتُ نفسي وأعترفُ
وبِحارٌ من الذنوبِ مُقترِفُ
ولي طمعٌ ولي أسفُ
وقلبٌ بالوجعِ يَفترشُ
ولي ربُّ إذا ما جَبَرني
فلِـمَن غيرهِ أتَّجِهُ
أبحرتُ وأبحرتُ والوجع يزداد مع إنسياب الكلمات، نفضتُ عني كبريائي واعترفتُ أخيرًا أنني ما زلتُ في غيابات الجُبِّ وأن تلك المُحاولات التي بذلتُها للخروج بالكاد جفَّفت قلبي من المِياه.
تُسدي له جميلًا في منحهِ فرصةً أخرى للحياة.
ذاك القلب المكلوم ذو الحاجة إلى الأمنِ ما زال يحيىَ وأتعجَّب!
ذاك القلب الناجي بفعل القشةِ يُردد:
الفَرَج يأتي بغتةً هكذا اعتدنا
وللقلبِ مسرَّاتٌ سيلقَاها
ولي موعدٌ مع دعوةٍ ألفتُها
ولو نسيتُها ربي ليس ينساها.