زينب عبد الحفيظ
تضربُ بسوطِك ألسنةً حدادًا فيدوي صوتُ الاحتكاكِ ويشددُ البغض، اثقبهم بعينين متسائلة، تسائل: هل من المروءة أن تتطاول فئةٌ مرتويةٌ بالاوعي، تدعي الفضيلةَ على شخصٍ يواكبُ أفكارهِ ويجدُها أحقَّ من نعيقِ الغربان؟
مروعٌ صوتُها يا سيد، تقبضُك الطبيعةُ وترغمُك على التلذذِ بصوتها، بل تغنى وألقي في جمالها الشعرَ، وتراقص، تراقصُ يا هذا على نفور الجهلةِ من آرائكَ ومقتهم حول اتساعِ العالمِ بعينيك، تداعى التخلفُ، وانغمسْ في وحلِ العاداتِ، تمرمغُ يا فتى وارهم ثوبك الجديد، أو واصل ضربَ الحديد.
ماذا دهاك؟ خارت قواك؟ أم ارتخى عقلك وأعلنتَ الخضوع؟ لن يفيدَك تزحزحُك من قطيعٍ سائرٍ. وثأرٌ، ثنتْ لك الخناجرُ وتكاتفت صفوفٌ غير متوازنةٍ لردعك. يأكلون عادتهم بنهمٍ، ويرمقونك بتقززٍ وكأنك وُلدتَ من جوفِ الشذوذ، ينثرون من أفواههم رزازًا سلبيًا مشبعًا ببكتيريا مميتةٍ.
العيبُ أشدُّ وطأةً من الحرامِ، معتقداتٍ عقيمةٍ يجرونها خلفهم من قرونٍ كانت حقولُها بورًا، خُلِقت بحضنِ مجتمعٍ يرتدي زيًا موحدًا، جلبابًا مطرزًا بنقوشٍ مشابهةٍ لا انحياز.
اضرب بسوطك الهواءَ، ونازع نفسك أو فر هاربًا، لكن كيف الهروبُ من روحك المعلقة؟ شيءٌ بك يخشى انقضاضَ صوتِ الغربان. قف أمامك وأعلن الحربَ. على من ستشرعُ فوهةَ سلاحك؟ على من سنطلق الرصاص؟ أتقتلُ عقيدتكَ، أم تفقعُ عينيك وتواكب السير معهم وتتفادى الصدام؟
روحك تئنُّ تود الزوالَ، نهكتَ وهلكتَ. تهامدَ جسدك، أرى الاستسلامَ يلوحُ بعينيك. قع صريعًا، ولا ترين أستسلامك، مت، لكن مت وعقيدتك تنزفُ من غرز أظافركَ بداخلها، لا ترخي قبضتك، اروِ الأرضَ بدمائك النقيةِ الفريدة. تجبرُ، ولا ترتبط بهيئاتٍ جامدةٍ خوفًا من العنوسة، وإن قلتَ عقلي سيجوعُ، نظركَ باستهانةٍ، الأهمُّ ملءُ البطونِ، كلوا، واملؤوا أجسادكم، هنيئًا لكم.
بعقولٍ خاويةٍ تطوف بها طيورٌ تبحث عن الظلام لتنبش به، حالكةُ الأجواء، كيف ترون بعضكم البعض؟ أنفاسكم باردةٌ وكأن بداخلكم تكدس الجليد. شتان بين نيران عيونكم وبرودة أجسادكم، وكأنكم مسوخٌ. العيش بجانبكم صعبٌ، والفرارُ يستحيل. طلامس ألقت هنا، لا خلاص، لا زوال، فقط نطاحٌ ومعاركٌ إلى أن تفنى.