مقالات

غزة بين صفقة السلام وشبح الاجتياح .. سيناريوهات اللحظة الحاسمة وحدود مصر على المحك

✍️ يوحنا عزمي

في الكواليس الضيقة للدبلوماسية الإقليمية ، حيث الكلمات تزن أطناناً من الدماء والابتسامات قد تخفي وراءها شفرات سياسية، تدور مفاوضات حاسمة حول مستقبل قطاع غزة. ليست المسألة وقف إطلاق نار وحسب ، بل إعادة رسم الخريطة السياسية والإدارية للقطاع ، وربما المنطقة بأكملها.

على الطاولة : انسحاب الجيش الإسرائيلي ، نشر قوات عربية بغطاء دولي ، تعيين “حاكم فلسطيني مدني” للمرحلة الانتقالية ، وإطلاق خطة إعادة إعمار كبرى. في الكواليس : شد وجذب ، خطوط حمراء ، ومخاوف من سيناريوهات قد تهز الإقليم.

ملامح المقترح المطروح

انسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية من غزة.

إدارة عربية – فلسطينية مشتركة تحت إشراف لجنة سداسية: مصر، السعودية، الأردن، الإمارات ، قطر ، والسلطة الفلسطينية.

تعيين شخصية فلسطينية توافقية – يُرجح أنها سمير حليلة  كـ”حاكم مدني مؤقت”.

قوات عربية أمنية رمزية لضبط الاستقرار ومنع تجدد المواجهات.

تمويل خليجي ودولي لخطة إعادة إعمار شاملة.

كواليس المفاوضات

القاهرة تحولت إلى غرفة عمليات دبلوماسية. وفود من حماس والسلطة الفلسطينية ، ومبعوثون أمريكيون وقطريون ، وممثلون عن إسرائيل عبر القنوات الخلفية. كل طرف يحاول اقتناص أكبر قدر من المكاسب وتقليل الخسائر. إسرائيل تطالب بضمانات تمنع عودة البنية العسكرية لحماس ، والحركة تسعى لانسحاب كامل مع حماية قياداتها من الملاحقة.

السيناريوهات المحتملة

1. نجاح الإتفاق وتحوله إلى واقع

دخول قوات عربية رمزية بقيادة مصرية – أردنية إلى غزة.

استلام الحاكم المدني المؤقت مهامه بإشراف عربي ودولي.

انطلاق مشاريع الإعمار بدعم خليجي.

تهدئة أمنية لعدة سنوات، تفتح الباب لمفاوضات سياسية أوسع.

العقبة : قبول حماس بتقليص نفوذها العسكري ، وهو أمر قد يثير رفض تيارات داخلية في الحركة.

2. انهيار المفاوضات وتصعيد ميداني

اجتياح إسرائيلي شامل لمدينة غزة.

ارتفاع أعداد الضحايا المدنيين بشكل كبير.

ضغط دولي متزايد على تل أبيب ، قد يعيد الأطراف للتفاوض بعد خسائر فادحة.

وضع أمني متفجر على الحدود المصرية.

3. اتفاق جزئي مؤقت

وقف إطلاق نار محدود دون حسم ملفات الانسحاب أو الإدارة.

فتح المعابر وإدخال المساعدات لفترة محددة.

بقاء الملفات الكبرى (الأسرى ، الإعمار ، الإدارة) معلقة لجولات تفاوضية لاحقة.

4. الاحتلال الإسرائيلي الكامل حتى الحدود المصرية

إذا قررت إسرائيل اجتياح غزة بالكامل حتى معبر رفح :

تهديد مباشر للأمن القومي المصري لأول مرة منذ كامب ديفيد.

احتمال إنشاء منطقة عازلة داخل غزة على حساب الأراضي الفلسطينية.

خطر تهجير عشرات الآلاف نحو سيناء.

انهيار دور الوساطة المصرية وتحوله إلى طرف متأثر مباشرة.

تصعيد إقليمي واسع وربما تدخل أطراف مثل إيران أو حزب الله.

أزمة إنسانية هائلة تضغط على مصر لاستقبال النازحين.

السيناريو المصري المحتمل إذا احتلت إسرائيل غزة

1. تحرك دبلوماسي عاجل

دعوة لاجتماع طارئ في مجلس الأمن والجامعة العربية.

الضغط على واشنطن والاتحاد الأوروبي لوقف الاجتياح.

فتح قنوات خلفية مع تل أبيب لتحديد خطوط حمراء جديدة.

2. تعزيز الحدود

نشر وحدات إضافية من الجيش في شمال سيناء.

إنشاء نقاط مراقبة ورادارات متقدمة.

تجهيز البنية التحتية العسكرية لأي تطورات.

3. التعامل مع النزوح الجماعي

رفض توطين دائم للفلسطينيين داخل مصر.

إنشاء مناطق إيواء مؤقتة على الجانب الغزي أو في المنطقة العازلة.

تنسيق مع الأمم المتحدة لإدارة الأزمة.

4. التصعيد غير المباشر

دعم الموقف الفلسطيني في المحافل الدولية.

تنسيق إقليمي مع الأردن وقطر وتركيا.

تحريك ملفات ضغط اقتصادية أو سياسية.

5. الردع العسكري

رفع حالة الاستعداد القصوى.

إجراء مناورات عسكرية قرب الحدود لإرسال رسالة ردع.

بالنظر إلى المعطيات الحالية ، أرجح أن السيناريو الأقرب للتحقق هو “الاتفاق الجزئي المؤقت” ، للأسباب التالية :

1. انعدام الثقة العميق بين حماس وإسرائيل يجعل الاتفاق الشامل صعب التنفيذ في الوقت الحالي.

2. الضغوط الدولية ، خاصة من واشنطن ، تهدف لوقف فوري لإطلاق النار لاعتبارات إنسانية وصورة سياسية ، حتى لو لم تُحل كل الملفات.

3. رغبة إسرائيل في الاحتفاظ بأوراق ضغط ميدانية وعدم التخلي عن السيطرة الأمنية بشكل كامل.

4. حسابات حماس التي تفضل وقفاً مؤقتاً يسمح بإعادة ترتيب الصفوف بدلًا من خسارة كل نفوذها دفعة واحدة.

بمعنى آخر ، نتوقع وقف إطلاق نار قصير أو متوسط المدى ، فتح المعابر جزئياً ، إدخال المساعدات ، ثم جولات تفاوض لاحقة لبحث ملفات الانسحاب والإدارة والإعمار.

أيضاً بناءً على مسار المفاوضات الحالي والضغوط الدولية ، أرى أن إيقاف العمليات العسكرية الكبرى في غزة خلال هذا العام احتمال وارد جداً ، لكن إنهاء الحرب بمعناها السياسي والأمني الكامل أمر مستبعد قبل نهاية 2025.

السبب أن :

وقف إطلاق النار قد يتحقق مؤقتاً بضغوط أمريكية وعربية لتجنب اجتياح شامل ، خاصة مع تزايد الانتقادات الدولية لإسرائيل.

لكن ملفات حساسة مثل نزع السلاح ، تبادل الأسرى ، إعادة الإعمار، وترتيبات الحكم ، ستحتاج شهوراً وربما سنوات من المفاوضات.

إسرائيل وحماس قد توافقان على “هدنة طويلة” دون تسوية نهائية ، ما يعني أن جذور الأزمة ستبقى.

الخلاصة : ربما نشهد هدنة أو تجميد للقتال قبل نهاية 2025 ، لكن “السلام الكامل” لن يتحقق هذا العام.

غزة اليوم ليست فقط أمام خيار بين الحرب والسلام ، بل أمام إعادة تشكيل مستقبلها ومحيطها الإقليمي بالكامل. في سيناريو النجاح ، قد تدخل المنطقة مرحلة هدوء نسبي يفتح الباب لإعادة الإعمار. في سيناريو الفشل ، قد نجد أنفسنا أمام خريطة جديدة للحدود ، وصراع تتردد أصداؤه من سيناء إلى طهران.

وبينما تتسارع عقارب الساعة نحو “اللحظة الحاسمة”، يبقى السؤال : هل ستولد غزة من جديد على طاولة التفاوض أم ستدفن تحت ركام الاجتياح؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!