✍️ يوحنا عزمي
يبدو أن العالم اليوم يسير بخطوات متسارعة نحو لحظة فارقة في التاريخ، لحظة يتغير عندها شكل النظام الدولي ليس عبر المؤتمرات أو المعاهدات ، وإنما عبر النار والحديد.
المشهد لم يعد يحتمل وصفه بالاضطرابات العابرة أو الأزمات المؤقتة ، بل أصبح أقرب إلى التعبئة الكاملة للحروب الكبرى. كل إشارة ، كل تصريح ، كل تحرك عسكري أو اقتصادي يشي بأن البشرية تتجه إلى صراع جديد ، قد لا يكون نسخة مطابقة للحربين العالميتين السابقتين، لكنه سيكون بالتأكيد أكثر قسوة وأوسع أثراً
الغريب أن هذا كله يحدث بينما العالم العربي، كعادته، يكتفي بدور المتفرج. القوى الكبرى تعيد رسم خريطتها، وتستعرض عضلاتها العسكرية والاقتصادية، فيما المنطقة العربية تغط في سبات ، رغم أن شظايا أي حرب مقبلة ستكون أول ما يصيبها.
ترامب يفتح الباب لمرحلة جديدة
البداية كانت من واشنطن.
في خطوة رمزية لكنها تحمل دلالات خطيرة ، أعلن الرئيس الأميركي ـ والعائد إلى المشهد بقوة – دونالد ترامب عن تغيير اسم وزارة الدفاع (البنتاجون) إلى “وزارة الحرب”.
قد يبدو الأمر للبعض مجرد إعادة إحياء لتسمية قديمة، لكن الحقيقة أن هذه التسمية لم تُستخدم منذ عام 1947، أي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
إذاً ، لماذا يعود ترامب إليها الآن؟
وفقًا لتصريحاته ، فإن الهدف هو “إعادة إحياء روح المقاتل” في الجيش الأميركي ، وتهيئة الجنود لحروب كبرى تلوح في الأفق. هو لا يرى المرحلة المقبلة كمرحلة دفاع عن الوطن، بل مرحلة هجوم وصراع مفتوح. بعبارة أخرى: الرجل يهيئ أميركا نفسيًا وعسكريًا لمعركة يعتبرها حتمية
الصين تستعرض وحشها العسكري
بينما كان ترامب يغير أسماء وزاراته ، كانت بكين مشغولة بإرسال رسالة أكثر وضوحًا : “لقد صرنا قوة عظمى لا يمكن مواجهتها”.
في الثالث من سبتمبر ، وفي الذكرى الثمانين لنهاية الحرب العالمية الثانية ، أقامت الصين عرضًا عسكريًا غير مسبوق في التاريخ الحديث.
المشهد كان مرعبًا بحق. لم يكن عرضًا تقليديًا لجنود يستعرضون خطواتهم أو طائرات تحلق في السماء، بل كان إعلانًا عن دخول العالم إلى عصر تسليحي جديد.
صواريخ DF-61: عابرة للقارات ، مداها أكثر من 12 ألف كيلومتر، قادرة على ضرب أي مدينة في الولايات المتحدة أو أوروبا دون الحاجة لمغادرة الأراضي الصينية.
صاروخ DF-5C: النسخة الأكثر رعباً ، بمدى يتجاوز 20 ألف كيلومتر، وحمولة نووية تصل إلى 12 رأسًا يمكنها استهداف 12 هدفًا مختلفًا في وقت واحد. الدفاعات الأميركية الحالية شبه عاجزة أمامه.
غواصات مسيرة بالذكاء الاصطناعي : مركبات بحرية لا يقودها إنسان، قادرة على التسلل خلف خطوط العدو دون أن ترصدها الرادارات ، ما يجعل أي أسطول بحري غربي تحت تهديد دائم.
أسلحة ليزرية متطورة (LY-1): قادرة على إسقاط الطائرات المسيّرة وصواريخ الكروز، بل وحتى استهداف الأقمار الصناعية الأميركية التي تدير شبكات الاتصالات والأنظمة الدفاعية.
ولم يكن الحضور عادياً : بوتين جلس بجانب شي جينبينج ، وإلى جانبهما كيم جونج أون ، ثم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان. كان المشهد أشبه بتحالف رمزي ضد الغرب.
الصدمة في واشنطن كانت عميقة. وسائل الإعلام الأميركية وصفت العرض بأنه “إعلان حرب بارد جديدة”، فيما كتب ترامب على منصته أن روسيا والصين وكوريا الشمالية “يتآمرون ضد أميركا”، مضيفًا بمرارة أن “الهند أيضًا تبدو أقرب إلى الصين”.
أوروبا على حافة حرب كبرى
أما القارة العجوز ، فالمشهد لا يقل خطورة.
قبل أيام فقط ، تسربت وثائق رسمية من وزارة الصحة الفرنسية تكشف أن باريس أصدرت أوامر عاجلة لمستشفياتها بالاستعداد لـ استقبال ما بين 10 آلاف إلى 50 ألف جندي جريح بحلول مارس 2026.
هذا ليس تقديرًا صحفيًا أو تحليلًا سياسيًا ، بل تعليمات رسمية من الحكومة الفرنسية. بعض هذه الإصابات قد تتطلب علاجًا يمتد لستة أشهر على الأقل، وهو ما يعني أن باريس تتوقع حربًا طويلة ومكلفة ، وليست مجرد اشتباكات محدودة.
السؤال الذي يطرح نفسه :
إذا كانت فرنسا، وهي عضو رئيسي في الناتو، تتوقع عشرات الآلاف من الضحايا في غضون أقل من عام، فماذا تعرف استخباراتها عن المرحلة المقبلة؟ هل هناك خطط سرية لحرب أوروبية كبرى مع روسيا؟
تشابه مخيف مع بدايات الحروب السابقة
التاريخ لا يكرر نفسه بنفس التفاصيل ، لكنه يترك دائمًا علامات وإشارات.
قبل الحرب العالمية الأولى ، تراكمت المناوشات بين الإمبراطوريات الأوروبية في البلقان حتى انفجر الوضع باغتيال ولي عهد النمسا.
قبل الحرب العالمية الثانية ، سبقت الغزو الألماني لبولندا سلسلة من “الأحداث الصغيرة” التي اعتبرها العالم حينها قابلة للاحتواء، لكنها فجرت أكبر حرب شهدتها البشرية.
اليوم نرى نفس النمط : تصريحات عدائية، عروض عسكرية، تغييرات رمزية في مؤسسات كبرى ، واستعدادات طبية ولوجستية. كلها مؤشرات على أن الحرب الكبرى قد تكون أقرب مما نتصور.
لكن الفارق الجوهري أن الحرب المقبلة لن تكون كسابقتها. أسلحة الذكاء الاصطناعي ، الصواريخ الفرط صوتية ، الأسلحة النووية التكتيكية ، وأنظمة الفضاء العسكرية تجعل أي حرب اليوم كارثة على نطاق لم تعرفه البشرية من قبل.
ماذا بعد؟
الوضع إذًا يمكن تلخيصه في ثلاث جبهات مشتعلة :
أوروبا الشرقية : حيث المواجهة بين روسيا وحلف الناتو لم تعد مجرد احتمال بل مسألة وقت.
شرق آسيا : حيث الصين تستعد لمواجهة محتملة مع أميركا على تايوان.
الشرق الأوسط: حيث البركان تحت الرماد ، ينتظر فقط لحظة الانفجار.
نحن لا نتحدث عن حرب عالمية معلنة ببيانات رسمية وتحالفات واضحة كما في القرن الماضي ، بل عن حرب عالمية موزعة ، متعددة الجبهات ، تشارك فيها القوى الكبرى بشكل مباشر أو عبر وكلاء ، دون أن يعلن أحد رسميًا أنه في “حرب عالمية ثالثة”.
إلى أين يمضي العالم؟
قد يعتقد البعض أن هذه مجرد مناورات سياسية ، وأن العقلاء سيتدخلون في اللحظة الأخيرة. لكن إذا علمنا التاريخ شيئًا ، فهو أن الحروب الكبرى تبدأ دائمًا بسلسلة من الأخطاء الصغيرة ، ثم تخرج عن السيطرة بسرعة.
الشرق الأوسط قد يكون الشرارة ، أو بحر الصين الجنوبي ، أو حتى أوكرانيا. لكن الأكيد أن تزامن هذه الجبهات يجعل احتمالات التوسع والانتشار شبه مؤكدة.
السؤال الحقيقي إذًا ليس : هل ستبدأ الحرب؟
بل: هل لدى العالم الشجاعة ليوقف نفسه قبل السقوط في هاوية لا يعرف أحد مداها؟