✍️ يوحنا عزمي
من الواضح تماماً أنه لا يوجد أي تنسيق مسبق أو توافق عام على موقف عربي مشترك بين القادة الذين وُجهت لهم الدعوة للقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، سواء كان ذلك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك أو في أي إطار أمريكي آخر معد لهذا اللقاء ، المخصص لمناقشة مستقبل غزة بعد أن تضع الحرب أوزارها.
في غياب هذا التنسيق والتشاور المسبق ، يبدو أن اللقاء المرتقب سوف يشهد انقسام الحاضرين إلى محورين رئيسيين لا أقول جبهتين.
المحور الأول : يتمثل في دول الخليج ، حيث سيقف قادتها إلى جانب الرئيس الأمريكي ، إما بمواقف باهتة وسلبية تجاه ما يطرحه من خطط وأفكار ومشاريع تخص غزة ، أو بإعلان دعمهم المباشر لها من دون اعتراض ، مع محاولة تجميل تلك المواقف ببعض الشعارات التقليدية التي اعتادوا ترديدها لتخفيف حدة الانتقاد.
هذه الدول ، التي يُفترض أنها الأكثر قدرة على التأثير في الموقف الأمريكي المنحاز بالكامل إلى إسرائيل ، ستكتفي بالمجاراة والمداهنة ، حذراً من غضب ترامب أو تهديداته المعتادة.
والنتيجة المتوقعة أن حضورهم لن يضيف أي قيمة حقيقية ، بل ربما يضر أكثر مما يفيد، لأن ترامب سيعتبر هذا الموقف منصة لتكريس رؤيته بالتنسيق مع شريكه في تل أبيب.
أما المحور الثاني : فيضم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وملك الأردن. وهنا تبدو مصر في الموقف الأكثر حساسية وصعوبة ، لأنها المستهدفة مباشرة أكثر من أي دولة عربية أخرى بالمشاريع الإسرائيلية الأمريكية ، التي تتجاوز مجرد خطط إعمار أو تسويات سياسية إلى كونها مشاريع استيطانية إحلالية واضحة.
ما يجري في غزة من إبادة جماعية وتهجير قسري وحصار وتجويع وتحويلها إلى أرض محروقة غير صالحة للحياة ، يضع مصر أمام تحديات أمنية ووجودية غير مسبوقة.
هذه التحديات لا تحتمل المساومة أو التنازل ، بل تفرض موقفاً مصرياً حاسماً لا يقبل الالتفاف مهما بلغت شدة الضغوط الأمريكية والإسرائيلية أو فداحة النتائج.
في هذا السياق ، فإن حضور الرئيس السيسي لهذا اللقاء يعني أنه سيواجه ترامب بموقف رافض لتلك المشاريع ، ما قد يؤدي إلى توتر شديد خلال الاجتماع.
ومن غير المستبعد أن يتجاوز ترامب حدوده ، كما اعتاد ، مستخدماً لغة فظة وأسلوباً بعيداً كل البعد عن الأعراف الدبلوماسية ، بما قد يفضي إلى نهاية مأساوية كان يمكن تجنبها بعدم الحضور من الأساس.
وهنا يبرز القرار الحكيم بعدم ذهاب الرئيس السيسي إلى نيويورك، ليفسح المجال ليتحمل الخليجيون وحدهم وزر نتائج اللقاء مع رئيس أمريكي صهيوني الانحياز ، أصبح أداة في يد نتنياهو ، يتحدث باسم إسرائيل أكثر مما يتحدث باسم بلاده.
في المحصلة ، ما سيخرج به اللقاء لن يغيّر من حقيقة أن المنطقة تواجه أخطر تحدياتها ، وأن غياب الموقف العربي الموحد يترك الباب مفتوحاً أمام واشنطن وتل أبيب لرسم مستقبل غزة والمنطقة بما يخدم مصالحهما فقط.