مقالات

أمريكا تجمع جنرالاتها : هل يقترب العالم من حرب كبرى؟

✍️ يوحنا عزمي

في تطور يوصف بأنه الأغرب والأخطر في تاريخ المؤسسة العسكرية الأمريكية ، نشرت صحيفة واشنطن بوست تقريرًا يكشف أن وزير الدفاع الأميركي “بيت هيغسيث” أصدر أوامر مباشرة باستدعاء مئات الجنرالات والأدميرالات من مختلف فروع الجيش الأميركي لاجتماع عاجل وسري ، من المقرر انعقاده مطلع الأسبوع في قاعدة تابعة لقوات المارينز بولاية فيرجينيا.

المثير أن هذا الاجتماع لا يشبه أي اجتماع عسكري سابق ، بل يصفه مراقبون بأنه سابقة لم تحدث حتى في أشد لحظات التوتر العالمي :

لم يُعقد مثيل له في فترة الحرب الباردة وانهيار الإتحاد السوفييتي.

لم يحدث حتى بعد هجمات 11 سبتمبر وغزو العراق.

ولم تُسجل أي خطوة مشابهة في تاريخ الأزمات النووية  بين أمريكا وروسيا.

صحفيون أميركيون وصفوا المشهد بأنه “حدث لا يتكرر إلا مرة كل جيل”، بينما أكد أحد أقدم مراسلي البنتاغون، بخبرة 30 عامًا، أنه لم يشهد أبدًا شيئاً بهذا الحجم أو الطابع الطارئ.

الأخطر من ذلك أن حتى القيادات المدعوة للاجتماع لا تعرف أسبابه الحقيقية ، مع تعليمات صارمة بعدم تسريب أي تفاصيل للصحافة.

لكن لماذا الآن تحديدًا ؟

العالم منشغل باجتماعات الأمم المتحدة.

أوروبا تعيش ذروة اعترافات دولية متتالية بفلسطين.

وفي الخلفية تتصاعد أجواء مشحونة على جبهات عدة : أوروبا الشرقية ، الشرق الأوسط ، وحتى أميركا اللاتينية.

الجبهة الأوروبية : روسيا في مواجهة الناتو

خلال الأسبوع الماضي فقط ، تصاعدت التوترات بين موسكو وحلف الناتو بوتيرة غير مسبوقة :

تقارير NBC والجارديان تحدثت عن توالي اختراقات روسية للأجواء الأوروبية.

دول البلطيق وبولندا ورومانيا والنرويج سجلت توغلات بطائرات مسيرة مجهولة.

إغلاق مطارات كبرى مثل أوسلو وكوبنهاغن بعد انفجارات قرب أجوائها.

القوات الجوية للناتو تدخلت مرارًا للتصدي ، بينما حملت الحكومات الأوروبية روسيا المسؤولية المباشرة ، وهو ما نفته موسكو كعادتها.

ومع ذلك ، هناك من يرى أن طرفًا خفياً قد يكون وراء هذه الاستفزازات ، لدفع أوروبا نحو مواجهة مفتوحة مع روسيا.

ترامب يدخل على الخط

في خضم هذا التصعيد ، نشر ترامب تصريحاً نارياً قبل أيام ، دعا فيه الناتو لإسقاط أي طائرة روسية تخترق مجالاته الجوية ، واصفًا روسيا بـ”النمر الورقي” الذي لن يصمد اقتصاديًا أمام مواجهة طويلة.

الأدهى ، تقارير تحدثت عن ضوء أخضر أميركي لأوكرانيا بضرب العمق الروسي إن استهدفت موسكو منشآت الطاقة الأوكرانية.

رسائل أميركية مشفرة : طائرة “يوم القيامة”

لتزداد الأمور خطورة ، كشفت تقارير عن إرسال واشنطن لطائرة E6B Mercury إلى أوروبا، وهي طائرة معروفة بلقب “طائرة يوم القيامة” لأنها مسؤولة عن إدارة العمليات النووية في حال إندلاع حرب شاملة.

مباشرة بعدها ، خرج الرئيس الأوكراني زيلينسكي بتصريح استفزازي لروسيا :

“أوقفوا الحرب أو استعدوا للهروب إلى الملاجئ.”

موسكو لم تتأخر ، فجاءت التحذيرات على مستويين :

السفير الروسي بفرنسا أكد أن إسقاط أي طائرة روسية سيُعتبر “إعلان حرب”.

ميدفيديف صعد أكثر ، بتصريح قال فيه إن روسيا “تمتلك أسلحة لا تحميكم منها الملاجئ”، في تهديد مبطن بالنووي ، خصوصًا مع استمرار تجارب الصواريخ الباليستية في بيلاروسيا.

من هنا يطل السؤال الكبير : لماذا استدعت واشنطن قادتها العسكريين؟

هل هو استعداد لمواجهة نووية مع روسيا؟

أم تحضير لتدخل عسكري واسع في الشرق الأوسط دعماً لإسرائيل ضد مصر أو إيران؟

أم ربما خطة لضرب فنزويلا بعد استهداف سفنها مؤخراً في المحيط الهادئ بذريعة مكافحة المخدرات؟

أم أن الولايات المتحدة تتهيأ لجميع هذه الجبهات دفعة واحدة؟

كل الإحتمالات واردة ، والسيناريوهات مفتوحة على تصعيد قد يقلب التوازنات الدولية رأسًا على عقب.

واشنطن لم تكشف أوراقها بعد ، لكن مجرد جمع هذا العدد من الجنرالات والأدميرالات في اجتماع سري وطارئ ، يضع العالم أمام حقيقة واحدة : نحن أمام مرحلة فارقة قد تعيد رسم خريطة القوى العالمية.

فالكوكب والاقتصاد العالمي لم يعودا يحتملان حرباً كبرى جديدة.

تحليل وتخمين : ماذا تنوي واشنطن؟

لو جمعنا الخيوط ، هنلاقي عدة احتمالات واقعية :

1. السيناريو الروسي – الأوروبي : الأكثر ترجيحاً ، لأن وجود طائرة يوم القيامة يشير إلى استعداد نووي محتمل ، وهو ما يعني أن البنتاغون يضع كل السيناريوهات أمام عينيه في حال تفاقمت الأزمة.

2. الشرق الأوسط : دعم إسرائيل عسكريًا ضد إيران أو ردع مصر إذا اتسع التصعيد ، خاصة بعد موجة الاعترافات الدولية بفلسطين.

3. فنزويلا وأميركا اللاتينية : إحتمال ثانوي لكنه قائم ، ففنزويلا بدأت تختبر أعصاب واشنطن بعمليات بحرية ضد سفنها.

4. الخيار المزدوج : وهو الأخطر ، أن تكون واشنطن تتحضر لصدام متعدد الجبهات في أوروبا والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية في آنٍ واحد.

الخلاصة أن أمريكا قد تكون بصدد إعادة ترتيب استراتيجيتها العسكرية بالكامل ، في ظل عالم يقترب من مرحلة حرجة قد ترسم خريطة جديدة للقوى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!