مقالات

واشنطن تسرع هندسة المشهد في غزة بين قوة دولية واجتماع عسكري حاسم

✍️ يوحنا عزمي

المشهد في غزة لم يعد محصورًا في صور القصف والدمار التي تتصدر الشاشات ، فخلف هذا الضجيج الإعلامي تعمل غرف مغلقة على مدار الساعة ، تُدار فيها واحدة من أخطر عمليات إعادة تشكيل الواقع في القطاع.

الولايات المتحدة انتقلت من مرحلة الترقب إلى مرحلة الفعل ، وقررت أن تحرق الوقت وتفرض إيقاعها الخاص ، في محاولة لرسم مستقبل جديد لغزة قبل أن تتبلور أي معادلات بديلة على الأرض.

ما يجري الآن ليس أفكارًا على الورق ، بل خطوات تنفيذية يُراد لها أن ترى النور في توقيت أقرب مما يتصور كثيرون.

وفق ما يتردد في الدوائر الأمريكية ، فإن واشنطن وضعت على الطاولة خطة تقوم على نشر قوة دولية داخل القطاع في أسرع وقت ممكن، مع بداية العام الجديد، على أن يكون الانتشار الأولي في المناطق التي أصبحت بالفعل تحت سيطرة جيش الإحتلال.

اللافت في هذه الخطة أن الحديث لا يدور عن مهمة قتالية مباشرة ضد حماس ، بل عن قوة تحمل عنوانًا سياسياً واسعاً اسمه “فرض الاستقرار”، وهو تعبير فضفاض يفتح الباب أمام أدوار أمنية وإدارية قد تعيد صياغة شكل الحكم والسيطرة داخل غزة دون إعلان ذلك صراحة.

هذا التوجه ، كما نقلت وسائل إعلام عبرية ، يعكس رغبة أمريكية واضحة في إدارة المرحلة الانتقالية بنفسها ، ولو عبر واجهات دولية. لكن الطريق أمام هذا المشروع ليس مفروشًا بالورود. فالدول التي يُفترض أن تشارك بقواتها في مهمة بهذا الحجم تدرك جيدًا أن غزة ليست ساحة سهلة ، وأن أي وجود عسكري أجنبي فيها قد يتحول سريعًا إلى مستنقع أمني وسياسي. لذلك يسود التردد ، وتتقدم الحسابات الداخلية لكل دولة على الاندفاع خلف الرؤية الأمريكية.

هذا التردد خلق فجوة حقيقية في الخطة ، فجوة تبحث واشنطن عن طريقة لسدها بسرعة ، خاصة مع ضغط الوقت والرغبة في فرض أمر واقع جديد قبل أن تتغير الظروف.

في هذا السياق ، بدأت تبرز أفكار بديلة لا تقل خطورة، تقوم على الاعتماد على مجموعات محلية فلسطينية معارضة لحماس ، يجري تسويقها باعتبارها خيارًا عمليًا لإدارة المشهد الأمني والإداري داخل القطاع. هذه الطروحات ، التي تتقاطع مع رؤية الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب ، تقوم على فكرة تحميل “البديل المحلي” أعباء المواجهة اليومية ، بدلًا من زج جيوش نظامية تخشى حكوماتها من الكلفة السياسية والبشرية.

غير أن هذا الخيار يفتح الباب أمام سيناريوهات معقدة ، قد تدفع غزة إلى صراعات داخلية جديدة تحت لافتات مختلفة.

ولكي لا تبقى هذه التصورات في إطار التكهنات ، تتحرك واشنطن على المسار العسكري بخطى متسارعة. القيادة المركزية الأمريكية “سنتكوم” تستعد لعقد اجتماع عسكري بالغ الأهمية في الدوحة، بمشاركة ممثلين عن أكثر من خمس وعشرين دولة.

هذا الإجتماع ليس بروتوكولياً ، بل يهدف إلى حسم أسئلة جوهرية: من سيقود القوة؟ ما حجمها الحقيقي؟ ما طبيعة تسليحها؟ وما حدود تفويضها داخل غزة؟

الأخطر أن كل هذه التفاصيل تُناقش في وقت يشير فيه الجدول الزمني الأمريكي إلى أن بداية التحركات الميدانية قد تكون خلال أسابيع قليلة فقط ، ما يعكس حجم الاستعجال وربما القلق من ضياع الفرصة.

في المحصلة ، تبدو الولايات المتحدة وكأنها تخوض سباقًا مع الزمن ، تحاول خلاله جمع تحالف دولي هش ، أو إيجاد بدائل محلية ، لفرض صيغة جديدة للسيطرة والاستقرار في غزة.

لكن السؤال الذي يفرض نفسه بقوة : هل تنجح واشنطن في تحويل هذا المخطط إلى واقع فعلي ، أم أن تعقيدات الأرض ، وحساسية المشهد الفلسطيني ، ورمال غزة المتحركة ، ستبتلع المشروع الأمريكي الجديد قبل أن يكتمل؟ الأيام القليلة المقبلة وحدها كفيلة بالإجابة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!