ابداعات

جلد الذات والنفس اللوامة

 

بقلم: أحمد المقدم

 

 

لا تمرّ لحظات مواجهة النفس مرور الكرام؛ فهناك دائمًا ما تكون محاسبة لها على أخطاء قد ارتُكبت، مع توجيه أصابع اللوم والاتهام إليها على ما حدث، وكأننا في مواجهة شخص آخر نُحمّله عواقب أفعالنا. 

 

وهناك بعض الحوادث التي يتوقف عندها قطار المحاسبة طويلًا، فتصير بمثابة ذنب قد لا يُغتفر للنفس. 

 

يدخل البعض على إثرها في أزمات متلاحقة وتداعيات وخيمة، وقد ينتهي الأمر بالبعض إلى الانعزالية وتجنّب التآلف مع الزمن، وكذلك مع الآخرين.

 

تلك لحظة فقدان لذواتنا، نعيش معها طويلًا، نحمل أنفسنا على إثرها ما لا تطيق، وكأننا نتخبط من حولنا معصوبي العينين، لا نرى موضع أقدامنا، ولا نعرف سوى الأنفاق المظلمة التي قد نرفض، في مكوثنا فيها، كل نور يهدينا إلى باب الخروج نحو عالم الواقع، الذي لا نرى منه سوى ماضينا الأليم.

 

وقد يُخيَّل للبعض أن تلك الأزمات، التي يحمل صداها على عاتقه، قد غمرت عقله في مستنقع الوعي بحقيقته الأليمة، فيجد نفسه في مونولوج يواجه فيه تلك الحقيقة السوداء— بالكاد يستطيع أن يتعرّف على ذاته، إنه يعيش ازدواجية الجاني والجلاد؛ فقد ارتكبت نفسه الإثم، وقد حان وقت جلدها دون شفقة أو رحمة، وليس هناك مجال للغفران أو الصفح.

 

ويترتب على جلد الذات أن تلجأ النفس إلى التماهي والإسقاط النفسيين كآليات للدفاع عن ذاتها المتضررة.

 

 فقد يلجأ الشخص إلى الانخراط في تشجيع شخصٍ قد يجد فيه الصورة المثالية لما يجب أن يكون، فيراه بمثابة القديس الذي لم يرتكب مثل هذا الذنب. كما قد يرى من حوله وكأنهم مرآة تعكس ما يعتقد أنها حقيقته الآثمة، مما قد يزيد من انعزاليته واحتقاره لذاته.

 

وعلى الجانب الآخر، هناك ما يُسمّى بالأنا العليا كمفهوم تحليلي نفسي، وهي تلك القيم المستمدة من المعتقدات الدينية، والعادات المجتمعية، وقواعد الصواب والخطأ الفطرية، التي تكوّن ما يُسمّى بالضمير؛ ذلك القوي الخفي الذي يحملنا على التصرف وفق القواعد والأسس الصحيحة.

 

وهي ما يجعلنا نقف أمام أنفسنا ونلقي باللوم عليها عند اقتراف الخطأ وانتهاك القواعد، وذلك وفق عملية تقويم النفس ووضعها على الطريق المستقيم.

 

 وهذا ما يُسمى في النص القرآني “بالنفس اللوامة” التي أقسم بها الله سبحانه وتعالى في سورة القيامة، وهي ما يجب أن تكون على درجة من اليقظة والاستحضار كسبيل لبناء الذات وتعزيز ماهيتها في دواخلنا.

 

ويقول الشاعر ابن معصوم:

 

دعِ النَّدامةَ لا يذهب بكَ النَّدَمُ

فلسْتَ أوَّلَ من زلَّتْ بهِ قَدمُ

هيَ المَقاديرُ والأحكامُ جاريةٌ

وللمهيمنِ في أحكامهِ حِكَمُ

خفِّفْ عليكَ فما حالٌ بباقيةٍ

هيهاتَ لا نعمٌ تبقى ولا نقمُ

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!