مقالات

الإبادة والتهجير .. الوجه الحقيقي للخطة الأمريكية ـ الإسرائيلية ضد غزة

✍️ يوحنا عزمي

لم يعد خافياً على أحد أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أطلق مؤخراً رسالة صريحة إلى حليفه الأقرب ، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، يطالبه فيها بإنهاء الحرب الدائرة في غزة بأقصى سرعة ممكنة وبأقصي درجات العنف والحسم. هذه المطالبة لم تأتِ في سياق تهدئة أو بحث عن مخرج سياسي للأزمة ، بل على العكس، كانت بمثابة منح الضوء الأخضر لنتنياهو كي يرفع مستوى المواجهة إلى درجات غير مسبوقة من التدمير وسفك الدماء.

فالمعنى الحقيقي لهذا التصعيد الأمريكي لا ينفصل عن جوهر المشروع الذي يجري تنفيذه على الأرض : دفع إسرائيل إلى ارتكاب المزيد من المجازر بحق الفلسطينيين، وفرض خيارات كارثية على سكان القطاع ، لا يملك أي منهما جانباً أقل قسوة من الآخر.

فإما أن يبقوا داخل غزة ليواجهوا سياسة الإبادة الممنهجة بالرصاص والتجويع والحصار ، حتى تتحول حياتهم إلى جحيم يومي يستحيل احتماله ، أو أن يُدفعوا قسراً إلى الرحيل المجهول ، نحو مناطق ودول لم يُفصح بعد عن أسمائها ، في إطار تفاهمات سرية يتم التباحث بشأنها خلف الأبواب المغلقة. وفي كلتا الحالتين ، النتيجة واحدة : تغييب فلسطين من الخريطة ، وتركها مجرد ذكرى في كتب التاريخ.

إن التهجير القسري والإبادة الجماعية ليسا سوى وجهين لعملة واحدة ، عملة هدفها تصفية القضية الفلسطينية من جذورها ، وتحويلها إلى ملف من الماضي لا حاضر له ولا مستقبل. وهنا تكمن خطورة اللحظة الراهنة :

فما يجري هو مؤامرة أمريكية ـ إسرائيلية متكاملة ، ينظم خيوطها ترامب ونتنياهو معاً ، وقد بلغت الآن أخطر مراحلها وأكثرها حساسية. جميع أدوات التنفيذ متوفرة :

الدعم العسكري ، الغطاء السياسي ، التمويل ، والتواطؤ الدولي. لم يتبق سوى الانتقال إلى المرحلة الأخيرة ، حيث يجري الحديث صراحة في أروقة الحكومة الإسرائيلية عن ضم غزة والضفة الغربية بشكل رسمي ونهائي إلى إسرائيل.

وما من شك أن إدارة ترامب ستكون أول المرحبين وأسرع المعترفين بهذا الضم، بل وربما تضغط لفرضه كأمر واقع قبل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة بأيام ، لقطع الطريق على المبادرات الأوروبية ، وعلى رأسها مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الرامية إلى انتزاع اعتراف أممي بدولة فلسطينية مستقلة.

من هنا نفهم لماذا يلح ترامب على نتنياهو بضرورة حسم الحرب سريعاً وبقسوة مفرطة : إنها ليست مجرد حرب على غزة ، بل معركة سياسية كبرى تهدف إلى إجهاض أي جهد دولي يمنح الفلسطينيين شرعية جديدة ، وإلى وأد أي محاولة لفرض حل سياسي لا يتماشى مع الرؤية الصهيونية والأمريكية.

إن هذه التطورات ، إن تمت، لن تعني سوى شيء واحد : أن العرب هُزموا جميعاً أمام إسرائيل بلا معركة. لم تكن إسرائيل لتصل إلى ما وصلت إليه لولا حالة العجز العربي المطبق ، ولولا الاكتفاء بالبيانات والتصريحات الفارغة ، وغياب أي إرادة حقيقية لمواجهة هذا المشروع التوسعي باللغة الوحيدة التي تدركها إسرائيل وتحسب لها حساباً.

لقد تحولت فلسطين ، التي كانت يوماً مجرد بداية الحلم الصهيوني المسمى بـ”أرض الميعاد”، إلى جسر عبور لمشروع أوسع وأخطر : إقامة “إسرائيل الكبرى”.

فمنذ وعد بلفور وحتى اللحظة الراهنة ، ظل الحلم يتمدد خطوة بعد أخرى ، والآن تتضح ملامحه في مشروع توسع لا يقف عند حدود غزة أو الضفة الغربية ، بل يمد بصره إلى سوريا ولبنان ومناطق أخرى في المنطقة.

وهكذا يبدو أننا أمام مشهد تاريخي يعيد رسم الخريطة، فيما العرب ، بكل ثقلهم وعددهم وثرواتهم ، لا يزالون يراوحون مكانهم ، مكتفين بدور المتفرج على مأساة تُكتب فصولها الأخيرة بأيدٍ أمريكية وصهيونية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!