مقالات

نتنياهو والغاز المصري : ابتزاز سياسي أم مقامرة خاسرة ؟

✍️ يوحنا عزمي

وتمتد حتى عام 2040 ، مثلت لإسرائيل منفذاً مهماً لتصدير غازها من حقول شرق المتوسط عبر البنية التحتية المصرية، فيما رأت فيها القاهرة فرصة لترسيخ موقعها كمركز إقليمي لتسييل الغاز وإعادة تصديره إلى أوروبا.

لكن هذه الشراكة الاقتصادية تحولت فجأة إلى ساحة ابتزاز سياسي بعدما أعلن بنيامين نتنياهو تجميد الصفقة ، ملوحاً بتعليقها بحجة مراجعة التزامات مصر الأمنية في سيناء.

قرار نتنياهو لم يأتِ من فراغ ، بل ارتبط بتوترات متصاعدة في المنطقة في ظل استمرار الحرب على غزة ، ورفض القاهرة القاطع لأي مخططات لتهجير الفلسطينيين نحو سيناء. فجأة أعاد رئيس الوزراء الإسرائيلي فتح ملف كامب ديفيد الأمني ، زاعماً أن مصر تجاوزت الحدود المسموح بها في تحركاتها العسكرية داخل سيناء. في الظاهر قد يبدو الأمر تقنياً يتعلق ببنود إتفاقية السلام ، لكنه في العمق محاولة لتوظيف الاقتصاد كسلاح سياسي. الغاز لم يعد سلعة طاقة فحسب ، بل تحول إلى ورقة ضغط في صراع أكبر على النفوذ والسيادة.

إسرائيل، التي تحولت خلال السنوات الماضية من مستورد إلى مصدر للغاز بفضل حقول تمار وليفياثان، بنت حساباتها على أن القاهرة ستظل بحاجة إلى الغاز الإسرائيلي لتلبية احتياجاتها المحلية ولتصدير الفائض إلى أوروبا.

غير أن نتنياهو ، الذي يجيد تحويل الملفات الاقتصادية إلى أدوات سياسية ، تجاهل أن الصفقة لا تخدم مصر وحدها ، بل تمنح إسرائيل أيضاً منفذاً رئيسياً نحو الأسواق العالمية وتؤمن مصالح شركات الطاقة الغربية العاملة في حقولها البحرية.

أي تهديد جدي بتعطيل هذه الاتفاقية سيعني خسائر اقتصادية وسياسية لإسرائيل نفسها ، وهو ما يجعل تهديداته أقرب إلى المناورة منها إلى القرار الحاسم.

الموقف المصري أوضح أن القاهرة لا ترى نفسها رهينة للغاز الإسرائيلي ، وأنها تمتلك بدائل عبر اكتشافاتها الضخمة مثل حقل ظهر وشراكاتها المتنامية مع أوروبا في مجالات الطاقة الجديدة والمتجددة. الرسالة المصرية كانت واضحة: لن نُبتز بالغاز ، ولن ندفع ثمناً سياسياً مقابل أنابيب الطاقة.

الملف إذن يتجاوز الاقتصاد ليصبح جزءاً من لعبة التوازنات الكبرى في الشرق الأوسط. نتنياهو يحاول استخدام الغاز كسلاح للضغط على مصر في ملف غزة ، بينما القاهرة تؤكد أنها ليست في موقع الخضوع وأنها قادرة على المناورة والاعتماد على مصادرها الذاتية.

وفي الخلفية تترقب الأسواق الدولية أي تصعيد ، لأن أوروبا التي تبحث عن بدائل للغاز الروسي تراقب باهتمام كل ما قد يؤثر على تدفق الطاقة من شرق المتوسط.

في النهاية يتضح أن تهديد نتنياهو بتعليق الصفقة ليس سوى مقامرة سياسية قد ترتد عليه. فإذا خسر منفذه المصري لتصدير الغاز ، سيخسر ورقة تمنحه ثقلاً استراتيجياً في السوق الدولية.

أما مصر ، فهي تدرك أن موقعها الجغرافي وثروتها من الغاز يجعلها في موقع قوة ، وأن أي ابتزاز اقتصادي لا يمكن أن يغير من ثوابتها السياسية أو من رفضها لتحويل سيناء إلى ملاذ لخطط إسرائيل التوسعية. الغاز هنا لم يعد مجرد طاقة ، بل سلاح جيوسياسي يختبر صلابة المواقف بين القاهرة وتل أبيب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!