مقالات

الصين تهزم أمريكا في 70 دقيقة : عرض عسكري تحول إلى معركة رمزية

✍️ يوحنا عزمي 

في عالم السياسة والقوة العسكرية ، الهزيمة لا تُقاس بالرصاص ولا بالصواريخ فقط ، بل تُقاس بالرمزية والرسائل التي تصل إلى الخصوم قبل الأصدقاء.

هذا بالضبط ما فعلته الصين حينما نظمت عرضا عسكرياً استمر 70 دقيقة في ساحة تيانانمن ببكين ، في ذكرى مرور 80 عامًا على هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية. العرض لم يكن مجرد استعراض تقليدي ، بل كان رسالة سياسية مشفرة للعالم بأسره : “نحن هنا .. جاهزون ، أقوياء ، ولسنا في موقع الدفاع”. ولهذا تحول الحدث إلى ما يشبه “المعركة الرمزية” مع الولايات المتحدة ، حتى أن بعض المحللين وصفوه ساخراً بأنه اللحظة التي هزمت فيها الصين أمريكا في 70 دقيقة.

العرض العسكري الذي جمع أكثر من 10 آلاف جندي لم يكن مجرد تكرار لطقوس قديمة. الصين قدّمت خلاله أحدث ما في ترسانتها : صواريخ باليستية عابرة للقارات قادرة على بلوغ أي نقطة في أمريكا الشمالية ، صواريخ فرط صوتية مضادة للسفن مصممة خصيصًا لتحييد حاملات الطائرات الأمريكية ، طائرات بدون طيار تحت الماء تكشف أن ساحة المعركة لم تعد في السماء والأرض فقط، بل أيضاً في أعماق البحار، ودبابات مدعومة بالذكاء الاصطناعي كإشارة على أن بكين تسبق واشنطن بخطوة في الحرب التكنولوجية.

كل قطعة سلاح عُرضت كانت كأنها “طلقة معنوية” موجهة للغرب ، وكل دقيقة من العرض كانت جزءًا من ملحمة رمزية كتبتها الصين لتثبت أنها لم تعد القوة الصاعدة فحسب ، بل أصبحت في قلب المنافسة العالمية مع أمريكا.

الولايات المتحدة تراقب عن كثب ما تفعله الصين ، ليس فقط لأن بكين منافس اقتصادي شرس ، بل لأنها تسعى أيضًا لتغيير قواعد اللعبة في المحيطين الهندي والهادئ. حينما استعرضت الصين صواريخها القادرة على تحييد حاملات الطائرات الأمريكية ، بدا الأمر وكأنه إعلان مباشر: “أسلحتكم لم تعد ورقة ضغط ضدنا”.

هنا بالذات كان جوهر “الهزيمة الرمزية” التي يتحدث عنها الإعلام. الهزيمة لم تقع في ميدان قتال ، لكنها وقعت في ميدان الردع النفسي. واشنطن التي اعتادت أن تكون صاحبة اليد العليا في الاستعراضات العسكرية وجدت نفسها أمام خصم يعرض أمام العالم أسلحة نوعية ، بعضها لم تدخل أمريكا نفسها في سباق تطويره بعد.

الرقم لم يكن مصادفة ، فالعرض كان مكثفاً ، سريعاً ، ومليئاً بالرسائل. في عالم الإعلام الحديث ، طول الحدث لا يهم بقدر كثافة الرسائل التي يُرسلها. سبعون دقيقة كانت كافية كي تزرع الصين فكرة جديدة في الوعي العالمي : أن القرن الحادي والعشرين لن يكون أمريكياً خالصًا ، بل ستقف فيه قوى أخرى على قدم المساواة، وربما تتفوق.

قد يسخر البعض ويقول إن العروض العسكرية لا تهزم دولًا ، وهذا صحيح من الناحية العملية ، لكن في عالم السياسة الدولية ، القوة الناعمة والرمزية قد تكون أكثر تأثيرًا من إطلاق النار. الاتحاد السوفييتي انهار رغم ترسانته النووية الضخمة ، بينما صعود أمريكا لم يكن فقط بسبب قوتها العسكرية ، بل بسبب قدرتها على فرض صورة الهيمنة.

اليوم ، الصين تستخدم ذات الأدوات : عرض عسكري يتحول إلى حدث إعلامي ضخم ، إلى بروباغندا سياسية، إلى رسالة استراتيجية. وهذا ما يجعل كثيرين يصفون المشهد على أنه “هزيمة أمريكية” حتى لو لم تُطلق رصاصة واحدة.

في النهاية، لم تهزم الصين أمريكا عسكرياً في 70 دقيقة، لكنها نجحت في هزيمتها رمزيًا وإعلامياً في تلك الفترة القصيرة. أرسلت بكين رسالة قوية للعالم : أن موازين القوى تتغير ، وأن زمن القطب الواحد يقترب من نهايته. وربما حين نعود بعد عقود لنقرأ تاريخ هذا العرض ، سنكتشف أنه لم يكن مجرد احتفال بذكرى قديمة ، بل كان لحظة فارقة في إعادة تشكيل النظام العالمي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!