✍️ يوحنا عزمي
خلال الساعات الأخيرة ، كان العالم على موعد مع سلسلة تطورات درامية غير مسبوقة ، كل واحد منها في حد ذاته حدث جلل ، لكن إذا وضعتهم جنب بعض تكتشف صورة مقلقة جداً عن شكل النظام الدولي الجديد اللي بيتشكل قدام عيونا.
مصر ، ولأول مرة منذ توقيع معاهدة السلام سنة 1979، أعلنت تجميد وتخفيض مستوى التنسيق الأمني مع إسرائيل.
الخطوة دي في ظاهرها إجراء إداري أو رد فعل على استفزازات إسرائيلية ، لكن في عمقها معناها إن قناة التواصل العسكري اللي حافظت على “هدوء مضطرب” لأكتر من 46 سنة اتقفلت فجأة.
إسرائيل دلوقتي بتواجه فراغ أمني رهيب على حدودها الجنوبية ومش قادرة تتوقع ولا تفهم التحركات المصرية بنفس القدر اللي كانت معتادة عليه.
وفي التوقيت نفسه ، الأمم المتحدة أصدرت قرار تاريخي بأغلبية ساحقة لدعم إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967. 142 دولة أيدت القرار، في مقابل رفض أمريكي – إسرائيلي متوقع.
الرسالة هنا واضحة : المجتمع الدولي ماعادش متسامح مع سياسات الاحتلال ، والعزلة الدبلوماسية بدأت تضيق الخناق على تل أبيب وواشنطن ، حتى من داخل معسكر الغرب نفسه.
على الضفة الأخرى من العالم ، روسيا فجرت مفاجأة صادمة ، لما أرسلت أسراب من الطائرات المسيرة داخل الأراضي البولندية ، وتوغلت مسافة 300 كيلومتر قبل ما يسقطها الناتو بطائراته. لأول مرة من بداية الحرب الأوكرانية ، بيحصل احتكاك مباشر بين روسيا وحلف الناتو على أرض عضو بالحلف.
معنى كده إن الكرملين مش بس بيجس النبض ، لكنه بيمهد علنًا لتوسيع رقعة الحرب داخل أوروبا. وفي المقابل ، أمريكا بتسابق الزمن لإعادة ترتيب أوراقها في آسيا.
قاعدة “سوبك باي” في الفلبين أعيد افتتاحها رسمياً كمخزن السلاح الأكبر في العالم ، الهدف المباشر منها ردع الصين والتحضير لأي مواجهة قادمة في بحر الصين الجنوبي. الخطوة دي بتكشف بوضوح إن واشنطن قررت تقسيم العالم إلى مسارح صراع : روسيا تتوحش في أوروبا ، إسرائيل تتمدد في الشرق الأوسط ، بينما أمريكا بتحجز مقعدها في مواجهة بكين.
دلوقتي لو ربطنا الخيوط :
مصر بتبعث إنذار استراتيجي لإسرائيل ، وبتعيد رسم خطوط الردع.
الأمم المتحدة بتمنح القضية الفلسطينية شرعية جديدة ، وتضغط على الكيان في لحظة ضعف.
روسيا بتوسع ساحة المعركة باتجاه قلب أوروبا.
أمريكا بتعزز وجودها العسكري في آسيا ضد الصين.
النتيجة؟ .. إحنا مش بنتكلم عن أحداث متفرقة ، لكن عن إعادة توزيع النفوذ العالمي. كأن القوى الكبرى اتفقت – بصراحة أو ضمنياً – على تبادل مناطق السيطرة : روسيا في أوروبا ، أمريكا وإسرائيل في الشرق الأوسط ، والصين محاصرة في ملعبها الآسيوي.
لكن وسط المعادلة المعقدة دي ، العرب لسه واقفين على مفترق طرق.
القرار المصري بتجميد التنسيق الأمني مش مجرد رد فعل ، لكنه رسالة تمهيدية : إذا فشل المجتمع الدولي في كبح التوسع الإسرائيلي – الأمريكي ، فالمعادلة مش هتفضل كما هي.
وهنا بيجي دور فكرة الجيش العربي المشترك اللي اتطرحت قبل سنوات ، واللي ممكن تتحول من حلم بعيد إلى واقع لو اجتمعت الإرادة السياسية والتمويل الخليجي مع الخبرة العسكرية المصرية.
تخيل جيش عربي موحد ، بقدرات مصرية ، وبتمويل ضخم ، بيقف سد أمام التوسع الغربي – الصهيوني. ده مش مجرد توازن ردع ، دي نقلة تاريخية هتغير حسابات أي قوة كبرى.
الغرب بيعرف كويس إن اللحظة اللي العرب يقرروا فيها الإتحاد عسكرياً ، كل المشاريع الإمبريالية هتنهار من أساسها.
الـ 72 ساعة الأخيرة مش مجرد أخبار ، لكنها بروفة حقيقية للعالم الجديد اللي بيتشكل. واللي فاهم يقدر يشوف إن الشرق الأوسط واقف على باب مرحلة خطيرة جداً : يا إما نكون جزء من المعادلة الدولية بقوة ، يا إما نظل مجرد ساحة تصفية حسابات بين روسيا وأمريكا والصين.