مقالات

فرنسا بلا حكومة ونتنياهو يهدد غزة : ساعات غيرت موازين العالم

✍️ يوحنا عزمي 

في غضون ساعات قليلة فقط ، اهتز المشهد السياسي العالمي من أوروبا إلى الشرق الأوسط. فرنسا ، إحدى أعمدة الاتحاد الأوروبي ، وجدت نفسها فجأة بلا حكومة بعد سقوط مدو للائتلاف الحاكم. وفي نفس الوقت ، خرج نتنياهو بتهديد علني ومرعب لسكان غزة ، طالبهم فيه بالرحيل قبل أن تبدأ “العملية الكبرى” التي يصفها بأنها ستسحق ما تبقى من القطاع.

لكن ما الذي جرى تحديداً خلال الساعات الماضية؟

فرنسا تدخل مرحلة الفراغ السياسي

البرلمان الفرنسي ، وفي خطوة صادمة حتى للشارع الفرنسي نفسه ، صوت بأغلبية ساحقة على سحب الثقة من حكومة رئيس الوزراء “فرانسوا بايرو”. القرار لم يكن مجرد إجراء بروتوكولي ، بل كان بمثابة صفعة قوية أطاحت ببايرو بعد تسعة أشهر فقط من توليه المنصب. السبب المعلن كان خطته التقشفية القاسية التي بلغت قيمتها 44 مليار يورو ، خطة وصفت بأنها “خنق للاقتصاد” و”تجويع للشعب”.

الخطة جاءت في ظل أزمة اقتصادية غير مسبوقة

ديون فرنسا تجاوزت 3.35 تريليون يورو.

عوائد السندات الفرنسية أصبحت أعلى من إسبانيا واليونان والبرتغال ، دول كانت تُعتبر من “الضعفاء” أثناء أزمة اليورو.

وكالات التصنيف العالمية تهدد بخفض التصنيف الائتماني لفرنسا خلال أيام.

هذه الأرقام دفعت إلى انفجار برلماني وشعبي ضد الحكومة ، وسط مشهد سياسي متشظ بالكامل.

الآن ، فرنسا بلا حكومة. ماكرون مطالب خلال أيام بتعيين رئيس وزراء جديد ، لكن كل الخيارات أمامه أشبه بـ”كأس مسموم”. والأخطر من ذلك ، أن بقاء ماكرون نفسه بات مهدداً ، خصوصًا أن سقوط الحكومة جاء قبل أيام قليلة فقط من إعلان تاريخي كان يخطط له : اعتراف فرنسا بالدولة الفلسطينية.

شبح اليمين المتطرف يقترب

الفراغ السياسي في فرنسا يفتح الباب على مصراعيه أمام صعود اليمين المتطرف بقيادة مارين لوبان. هذه الأخيرة تتبنى خطابًا يكاد يتطابق مع نتنياهو وترامب: معاداة للهجرة ، عداء واضح للإسلام ، تشكيك في الاتحاد الأوروبي ، ورغبة في إنهاء الدعم لأوكرانيا والانفتاح أكثر على روسيا وبوتين.

إذا ما وصل اليمين إلى الحكم ، فإن ذلك قد يكون الشرخ الأخطر في جدار الاتحاد الأوروبي منذ تأسيسه. ففرنسا ليست دولة عادية ، بل هي المحرك الثاني بعد ألمانيا. انهيارها أو خروجها من الخط الأوروبي سيضعف القارة بأكملها، في وقت هي أصلًا تستعد لحرب محتملة في العام القادم وسط سباق تسلح غير مسبوق.

غزة بين المقاومة و”العملية الكبرى”

وبينما تغرق فرنسا في أزمتها الداخلية ، كان المشهد في غزة ينفجر هو الآخر. بالأمس ، قدم ترامب مقترحاً جديداً لوقف إطلاق النار ، وأبدت المقاومة موافقة مبدئية عليه. لكن التطورات الميدانية اليوم دفنت أي أمل في التهدئة.

في شمال غزة ، تمكنت المقاومة من تفجير دبابة إسرائيلية في جباليا ، ما أدى إلى مقتل أربعة جنود حرقاً داخلها.

في القدس ، وقعت عملية إطلاق نار أسفرت عن مقتل ستة إسرائيليين.

جاء الرد سريعاً من نتنياهو ، الذي أطلق تهديدًا مباشرا وصريحاً : على المدنيين الفلسطينيين في غزة أن يغادروا فوراً قبل انطلاق “العملية الكبرى”.

تصريحات لم تكن مجرد تهويش ، بل سبقتها أفعال : خلال يومين فقط ، دمر جيش الاحتلال نحو 50 برجاً سكنياً باستخدام القصف الجوي والروبوتات المتفجرة. كل ذلك يمهد لاجتياح بري واسع قد يكون الأكثر دموية منذ عقود.

تداخل المشهدين : أوروبا والشرق الأوسط

تزامن سقوط حكومة فرنسا مع تصعيد نتنياهو ليس تفصيلاً عابراً. فاختفاء لاعب أوروبي بحجم فرنسا ـ التي كانت على وشك الإعتراف بدولة فلسطين ـ يعطي إسرائيل مساحة أكبر للمناورة.

نتنياهو اليوم يشعر أن يده مطلقة أكثر من أي وقت مضى ، بينما أوروبا تتراجع إلى الوراء وتغرق في مشاكلها الداخلية.

لكن السؤال الأهم

هل سيجرؤ ماكرون ، وهو في أضعف لحظاته السياسية ، على المضي قدماً في خطوة الإعتراف بالدولة الفلسطينية؟

وهل سيُكتب لهذه الخطوة أن ترى النور أصلاً وسط عاصفة اليمين المتطرف؟

أم أن ما يحدث الآن ليس إلا بداية دفن الحلم الفلسطيني في أروقة أوروبا ؟

 التطورات متلاحقة ، والمشهد يتغير بسرعة هائلة. سنشهد في الأيام القادمة ما إذا كان هذا مجرد “أسبوع أزمات” عابر ، أم بداية لانهيار أوسع قد يهز أوروبا والشرق الأوسط معاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!