مقالات

رهانات حماس الخاسرة : كيف تستغل أمريكا المفاوضات لتثبيت مشروع الإحتلال في غزة ؟

✍️ يوحنا عزمي 

حركة حماس وهي تمضي ، رغم كل الدلائل والشواهد، في دوامة مفاوضات عبثية لا يُرجى منها سوى الفشل. هذه المفاوضات التي تجري بوساطة أمريكية ليست سوى مسرحية هزلية بطلها الأوحد هو الطرف الأمريكي ، الذي لا يمكن أن يكون وسيطًا نزيهاً ، وهو نفسه الشريك الأكبر لإسرائيل ، والداعم الأول لآلة الحرب التي تمارس أبشع صور الإبادة بحق أهل غزة.

فالولايات المتحدة ليست مجرد مراقب أو وسيط ، بل ضلع أساسي في مؤامرة تُحاك بخيوط متشابكة هدفها الأسمى: اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم وتهجيرهم قسرًا خارج حدودهم التاريخية.

كل المؤشرات تقطع بأن واشنطن تمارس أخبث أنواع الخداع مع حماس ، مستغلة لغة المراوغة وشراء الوقت، لكي تمنح إسرائيل المساحة الكافية لاستكمال مخططها الرامي إلى السيطرة الكاملة والدائمة على قطاع غزة. والخطة باتت واضحة : تحويل القطاع إلى أرض محروقة ، غير صالحة للحياة بأي شكل ، عبر سياسة منظمة من التدمير الشامل والتهجير الجماعي والتجويع والإغلاق المحكم للمعابر.

وليس بعيدًا عما يجري ، يكفي أن نذكر أن إسرائيل خلال يومين فقط دمّرت ما يزيد عن خمسين برجاً سكنياً شاهقًا ، لتضيف آلاف الأسر النازحة إلى سجل المأساة، وتزيد من أعداد الضحايا المدنيين الأبرياء الذين دفعوا حياتهم ثمنًا لجنون القوة الإسرائيلية ولتواطؤ دولي مخزٍ. إنها جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان، تُنفذ أمام أعين العالم، ومع ذلك يُصر الأمريكيون على وصفها بعملية “دفاع عن النفس”

المشهد يزداد وضوحًا يومًا بعد يوم : إسرائيل تعمل بخطوات متسارعة على تهجير سكان غزة خارجها بكل الوسائل القسرية المحظورة دوليا. وحتى لو قرر الفلسطينيون التشبث بالبقاء ، فالحياة تُقتل عمدًا في القطاع، كي يصبح خيار الرحيل القسري هو الحل الوحيد. هنا يتجلى جوهر المخطط الأمريكي – الإسرائيلي : إفراغ غزة من أهلها وتحويلها إلى مقبرة جماعية أو منطقة عازلة بلا حياة.

والأدهى من ذلك أن مسألة الرهائن المحتجزين لدى حماس لم تعد تهم واشنطن ولا تل أبيب بالقدر الذي يُروّج له. فما يزعمانه من حرص على عودتهم ليس سوى شماعة يعلقان عليها استمرار العدوان. الحقيقة أن بقاء الرهائن أحياء أو موتهم لم يعد هدفًا إستراتيجياً ، بل مجرد ورقة ضغط سياسية وإعلامية.

إذا كانت قيادة حماس تظن أن المفاوضات قادرة على تغيير المعادلة أو فتح معبر أو إدخال مساعدات، فهي واهمة. فالحرب لن تتوقف ، والمعابر لن تُفتح ، والمساعدات لن يُسمح لها بالدخول ، والانسحاب من غزة لن يحدث. ليس لأن العالم يفتقد القوة الكافية للضغط على إسرائيل ، بل لأن إسرائيل نفسها لا تعترف بأي قوة أو شرعية دولية ، وسوابقها في الجولان وجنوب لبنان شاهدة على ذلك. فهي ترى في قرارات الأمم المتحدة مجرد أوراق بلا قيمة، لا تساوي الحبر الذي كُتبت به.

أما الولايات المتحدة، فتلعب لعبة المماطلة والتسويف. تعرض على حماس شروطًا تعجيزية تعلم مسبقًا استحالة قبولها: تسليم السلاح ، الإقرار بالهزيمة ، مغادرة القطاع بلا عودة… إلخ. الهدف من ذلك هو إنهاك الحركة، وإرباكها، واستنزاف طاقتها ، بينما تواصل إسرائيل على الأرض مشروعها الدموي حتى لا يبقى في غزة ما يصلح للحياة أو التفاوض. وحين تصل الخطة إلى مرحلتها الأخيرة ، ستتنصل واشنطن من المفاوضات وتغادر المسرح مدعية أن الملف خرج من يدها وأن الكلمة الأخيرة باتت لإسرائيل وحدها.

وهكذا ، يُسدل الستار على واحدة من أقذر المؤامرات الأمريكية في تاريخ الشرق الأوسط ، إن لم تكن في تاريخ العالم كله. مؤامرة تُضاف إلى سجل الجرائم ضد الإنسانية في القرن الحادي والعشرين ، حيث تواطأت القوى العظمى على سحق شعب أعزل ، وتجريد الأرض من أصحابها ، وإضفاء شرعية زائفة على حرب إبادة موصوفة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!