✍️ يوحنا عزمي
في اللحظة التي تتصاعد فيها ألسنة اللهب من قلب المنطقة
تصبح قطر في موقع الإختبار الأصعب منذ عقدين.
فالدوحة التي اعتادت اللعب بين التناقضات الكبرى
تجد نفسها اليوم أمام سؤال وجودي :
هل تستطيع فعلاً التخلي عن المظلة الأمنية الأمريكية أم أن ذلك مجرد مناورة سياسية للضغط؟
الواقع يقول إن قطر لا تملك رفاهية فك الارتباط مع واشنطن بالكامل ، لأن القاعدة الأمريكية في العديد ليست مجرد قاعدة عسكرية ، بل شريان أمني واستراتيجي يحمي بقاء النظام نفسه.
لكن في المقابل ، قد تلجأ الدوحة لتعزيز شراكاتها مع تركيا وإيران والصين لتخلق توازناً يحميها من ابتزاز أمريكي محتمل.
ثم يبرز السؤال الثاني : إلى أي مدى يمكن الوثوق بوعود ترامب ، خاصة إذا كانت تتعارض مع مصالح نتنياهو؟
الجواب الأقرب للحقيقة أن ترامب ، رجل الصفقات والانتهازية السياسية ، لن يدخل مواجهة مع إسرائيل من أجل قطر.
هو سيمنح وعوداً وضمانات إعلامية ، لكنه عند أول اختبار سيضع مصالحه الانتخابية الداخلية أولاً ، ثم مصالح إسرائيل ثانياً ، تاركاً الدوحة أمام واقع أعقد مما تتصور.
تأتي هنا أهمية القمة العربية في الدوحة ، لكن السؤال الأهم : هل ستكتفي القمة ببيانات شجب وإدانة ، أم ستخرج بإجراءات عملية تُشعر الشعوب أن هناك تغيراً حقيقيا؟
حتى الآن ، المؤشرات تقول إن القمة ستُنتج خطاباً عالي النبرة لإرضاء الشارع ، لكنها ستفتقر لخطوات عملية كبرى.
استخدام الطاقة كورقة ضغط ، أو إعادة النظر في الاتفاقيات مع إسرائيل ، ستظل عناوين كبيرة لكن من الصعب ترجمتها إلى أفعال في المدى القريب.
وماذا عن قطر تحديداً؟
هل يمكن أن تتحول إلى جسر بين المعسكرين الأمريكي والشرقي (الصين – روسيا – إيران) أم أن هذه مغامرة محفوفة بالمخاطر؟
التجربة تثبت أن الدوحة بارعة في إدارة التناقضات ، لكنها أيضا تعلم أن أي ميل زائد نحو الشرق قد يستفز واشنطن ، ويضعها تحت ضغط غير مسبوق. لذا ستلعب ورقة “التوازن” بحذر ، دون أن تقطع الحبال مع أحد.
لكن ما حدود قدرة العرب فعلًا على استخدام ورقة الطاقة والغاز كورقة ضغط ضد الغرب؟
الحقيقة أن هذه الورقة قوية نظرياً ، لكنها معقدة عملياً. أوروبا وجزء كبير من الاقتصاد العالمي باتوا يتجهون لتنويع مصادر الطاقة ، ما يقلل من قوة التأثير العربي.
استخدام هذه الورقة بشكل متهور قد ينعكس سلباً على الدول المنتجة نفسها.
ويبقى السؤال الأكثر حساسية : هل هناك إمكانية واقعية لإعادة النظر في معاهدة السلام مع إسرائيل ، أم أن هذا مجرد خطاب عاطفي؟
الواقع أن هذه الورقة تُستخدم عادة للتهدئة الشعبية ، لكنها بعيدة عن التنفيذ العملي. الأنظمة العربية تدرك أن كسر هذه الاتفاقيات يعني فتح أبواب مواجهة مباشرة مع إسرائيل والغرب ، وهو ما لا أحد يريد تحمله الآن.
وأخيراً ، كيف ستوازن قطر بين التزاماتها مع واشنطن وبين رغبتها في لعب دور إقليمي مستقل يرضي الشارع العربي؟
الدوحة ستستمر في السير على الحبل المشدود : إرضاء الحليف الأمريكي بما يكفي للحفاظ على الحماية ، وفتح قنوات مع الشرق بما يكفي للضغط على واشنطن ، مع التلويح دائماً بخطاب داعم للقضية الفلسطينية لإرضاء الشارع.
القمة اليوم لن تغير قواعد اللعبة ، لكنها قد ترسم حدوداً جديدة للخطاب العربي في المرحلة المقبلة.
السؤال الأكبر الذي سيظل معلقاً : هل سيُكتب لهذه القمة أن تُغير شيئاً ، أم أنها ستلحق بسلسلة مؤتمرات انتهت بلا أثر؟
في النهاية ، قد تخرج القمة العربية في الدوحة اليوم بقرارات صاخبة على الورق ، لكن السؤال الحقيقي الذي سيبقى مطروحاً : هل نحن أمام لحظة تغيير حقيقية ، أم مجرد مسرحية جديدة تُدار لتسكين الشارع العربي الغاضب؟
التاريخ سيحكم ، لكن المؤكد أن اليوم لن يكون كما الأمس ، وأن قطر وواشنطن وتل أبيب يدركون أن الشعوب صارت أكثر وعياً ، وأكثر انتظاراً للخطوات الفعلية لا البيانات المنمقة.