مقالات

سيناريوهات القمة العربية الإسلامية في الدوحة اليوم

بقلم : يوحنا عزمي 

تنعقد اليوم القمة العربية الإسلامية في الدوحة على مستوى الرؤساء والملوك والأمراء والشيوخ في سياق استثنائي ، عقب الضربة الإسرائيلية التي استهدفت قيادات من حركة حماس وأصابت ضابطا قطرياً.

هذا الحدث لا يمكن أن يُنظر إليه كحادث عابر ، بل اعتُبر خرقا مباشراً للسيادة القطرية ورسالة سياسية لإضعاف أي دور عربي ضاغط في تسوية الصراع العربي – الإسرائيلي.

هنا برزت الحاجة إلى قمة عاجلة ، تُوصف بأنها “لحظة اختبار” للقدرة الجماعية على صياغة رد يتجاوز حدود البيانات البروتوكولية .. الأمر الذي يضعنا أمام مجموعة   من السيناريوهات :

١. السيناريو المثالي .. توحيد الصفوف وإجراءات ملموسة

في السيناريو الأمثل ، ستنجح القمة في صياغة موقف موحد يتضمن إجراءات عملية ، مثل خفض مستوى العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل أو تعليق مسارات التطبيع ، إضافة إلى تحريك الملف قانونيا على الساحة الدولية عبر مجلس الأمن أو المحكمة الجنائية الدولية.

هذا السيناريو – إن تحقق – سيعيد الإعتبار لمفهوم التضامن العربي – الإسلامي ، وسيعطي انطباعا بأن قمة الدوحة تحولت إلى منبر لتجديد الفعل العربي في مواجهة إسرائيل.

لكن تحقيقه يتطلب شجاعة سياسية وقدرة على مواجهة الضغوط الدولية ، خاصة من القوى الغربية التي ترتبط معها العديد من الدول العربية والإسلامية بشبكات مصالح أمنية واقتصادية معقدة .. خاصة بعد زيارة وزير الخارجية الأمريكي لتل أبيب وتقديم الدعم الكامل لحكومة الإحتلال المتطرفة.

٢. السيناريو الواقعي .. بيان قوي دون تصعيد

الأرجح أن تخرج القمة ببيان شديد اللهجة ، يصف الإعتداء بأنه عدوان سافر على السيادة القطرية وانتهاك للقانون الدولي ، مع دعوة إلى وقف العنف وإحياء عملية السلام. غير أن البيان قد يظل حبيس اللغة السياسية دون أن يترجم إلى إجراءات دبلوماسية أو اقتصادية ملموسة. وهذا السيناريو هو الأكثر انسجاما مع الواقع السياسي العربي والإسلامي الراهن.

٣. السيناريو المصلحي .. الاكتفاء بالحد الأدنى

قد تضغط بعض الدول التي ترتبط بعلاقات أمنية أو تجارية وثيقة مع إسرائيل أو الولايات المتحدة بأتجاه الإكتفاء ببيان بروتوكولي متوازن ، يركز على الدعوة إلى التهدئة وحماية المدنيين دون الدخول في إجراءات تصعيدية. هذا السيناريو يحافظ على الحد الأدنى من التوافق ، لكنه يكرس صورة العجز المؤسسي العربي والإسلامي أمام الرأي العام.

٤. السيناريو التصعيدي .. قطيعة حقيقية مع إسرائيل

الإحتمال الأضعف أن تشهد القمة خطوات تصعيدية غير مسبوقة ، مثل تعليق اتفاقيات التطبيع أو التلويح بعقوبات جماعية على إسرائيل. هذا السيناريو يتطلب توافقاً سياسيا قويا وغطاءً دولياً ، وهو أمر غير مرجح في الوقت الراهن ، لكنه قد يظل ورقة ضغط احتياطية في حال تكررت الإعتداءات أو تصاعدت حدتها.

مما لا شك فيه فإن النتائج التي ستخرج بها قمة الدوحة سيكون لها أثر مباشر على مستقبل عملية التطبيع التي تحاول إدارة ترامب الثانية تحقيقها على أرض الواقع :

إذا تبنت القمة مواقف قوية ، فإن مسار التطبيع قد يتعرض لتجميد أو على الأقل لمراجعة جادة من قبل بعض الدول ، خاصة تلك التي تواجه ضغوطا داخلية قوية من الرأي العام. هذا قد يؤدي إلى إعادة تعريف شروط العلاقة مع إسرائيل وربطها بسلوكها تجاه الفلسطينيين واحترامها لسيادة الدول العربية.

أما إذا اكتفت القمة بالبيانات التقليدية ، فستستمر مسارات التطبيع كما هي ، وربما تستغل إسرائيل هذا التباين العربي – الإسلامي لتعزيز علاقاتها مع بعض العواصم العربية.

في السيناريو الأكثر تصعيدا – وإن كان ضعيف الإحتمال – قد تتجه بعض الأطراف إلى التلويح بقطع العلاقات أو تعليق الاتفاقيات ، ما سيعيد الأجواء إلى ما قبل “اتفاقيات إبراهام” ويشكل تحدياً إستراتيجياً لإسرائيل ولحلفائها الدوليين.

بعبارة محددة ، قمة الدوحة لا تحدد فقط موقفا من ضربة عسكرية ، بل قد ترسم معالم المرحلة المقبلة في علاقة العرب والمسلمين بإسرائيل التي لن تخرج عن مسارين : إما استمرار في مسار التطبيع على حساب التضامن ، أو بداية تحول جديد يعيد الإعتبار لأولويات الأمن القومي العربي والإسلامي.

أيا كان المسار ، أتمنى أن يحدث توافق على ما يلي :

1. تجنب الاكتفاء بالبيانات : البيانات وحدها لم تعد كافية لإقناع الرأي العام العربي والإسلامي. هناك حاجة إلى إجراءات عملية ، حتى ولو رمزية ، لإثبات الجدية.

2. إطلاق مسار قانوني جماعي : تشكيل لجنة عربية – إسلامية لمتابعة الانتهاكات الإسرائيلية أمام المؤسسات الدولية ، بما يضمن استمرارية التحرك وعدم اختزاله في لحظة غضب عابرة.

3. ربط مسار التطبيع بالسلوك الإسرائيلي : إعادة صياغة العلاقات مع إسرائيل على أساس إحترام القانون الدولي وحماية المدنيين ، بحيث يصبح التطبيع مشروطاً لا مجانياً.

4. تعزيز الدبلوماسية متعددة الأطراف : التحرك بالتوازي مع قوى دولية مؤثرة مثل الصين وروسيا والإتحاد الأوروبي ، لتوسيع دائرة الدعم الدولي لأي موقف عربي – إسلامي جماعي.

5. تفعيل آليات الردع السياسي والإعلامي : بناء خطاب عربي – إسلامي موحد يفضح الانتهاكات الإسرائيلية ويعيد القضية الفلسطينية إلى صدارة الإهتمام العالمي.

إن القمة العربية الإسلامية في الدوحة يمكن أن تكون نقطة تحول إذا نجحت في تبني خطوات عملية تكسر حلقة البيانات التقليدية ، وتضع إطارا جديدًا للعلاقة مع إسرائيل قائما على الاحترام المتبادل والردع السياسي.

أما إذا اكتفت ببيان قوي دون فعل ، فستتحول إلى مجرد محطة عابرة ، وتفقد فرصة تاريخية لإعادة صياغة التضامن العربي والإسلامي بما يتناسب مع التحديات الراهنة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!