✍️ يوحنا عزمي
قبل قليل أطلق جيش الاحتلال هجومه البري الشامل على قطاع غزة – إعلان رسمي يفتتح فصلًا جديدًا من الدمار بعد شهور من القصف الجوي والمدفعي الذي أباد أحياء كاملة وشرد آلاف العائلات. الهدف المعلن : السيطرة على مدينة غزة التي لا يزال فيها نحو مليون فلسطيني ، لكن الواقع؟ واقع أحياء تنهار ، ومستشفيات تُحاصر ، وآلاف المدنيين يقفون وجهاً لوجه مع معضلة البقاء.
هذا التصعيد لم يأت في فراغ. بعد ساعاتٍ قليلة فقط على اختتام القمة العربية التي غابت عنها القرارات الحاسمة ، بدا وكأن الرسالة وصلت: «اركبوا على خيلكم» – تحدٍ صريح وكأنه دعوة للاستخفاف بمشاعر الملايين واستباحة أرواح المدنيين دون ثمن. الخواء الدبلوماسي داخل الاجتماعات يجعل من كل إعلان عسكري قرارًا ليس فقط ضد خصم مسلح ، بل ضد منظومة إنسانية دوليةٍ ترعى حماية المدنيين.
واللافت – بحسب تقارير نقلتها وسائل إعلام دولية – أن رسالة سياسية دولية وصلت إلى تل أبيب تقول إن هناك «تسهيلًا» أو «مباركة» من جهةٍ نافذة لشن العملية البرية، مع مطلب واحد واضح : أن تُنجز سريعا. هذا المطلب لا يقل خطورة عن نفسه ، فهو يحول الحسابات العسكرية إلى سباقٍ ضد الزمن على حساب حياة البشر ، ويعني أن ما قد يُسمى «الهجوم السريع» قد يكون في الواقع قرارًا بإلحاق أكبر قدر من الأذى خلال أقل وقت ممكن.
وفي خطٍ موازٍ ، أصدر مسؤولون محليون تصريحاتٍ تشير إلى أن السيناريو قد يمتد إلى نهاية العام – إشارة إلى أن الخطط ليست هجمات خاطفة بل احتلال طويل وممنهج ، يهدف إلى هدم ما تبقى من مدينة غزة ودفع سكانها خارج حدودها. هذا السيناريو لا يضع فقط مستقبل القطاع على كف من شعر ، بل يطرح سؤالًا أخلاقيا وسياسيا صريحًا : إلى متى سيُنتزع من المدنيين حقهم في الحياة الآمنة؟
التصريحات المتبادلة والاتهامات المتبادلة حول رهائن و«دروع بشرية» تزيد من حدة الخطاب وتُخفف من حساسية السرد عن الضحايا الحقيقيين – النساء، الأطفال، المسنون. كلمات مثل «فظاعة إنسانية» تتردد على ألسنة قادة يتجاهلون أرقام الضحايا التي تخرج من المستشفيات المكدسة والعيادات التي نفد منها الدواء والمستلزمات الطبية. في هذا المشهد ، لا تكفي كلمات الشجب : هناك انهيار عملي في قدرة القطاع الصحي على الاستجابة لحجم الكارثة.
أما على الصعيد الدولي ، فالأدوار تتبلور : دولةٌ تقدم الغطاء السياسي واللوجستي ، وأخرى تتهم وتوعد ، وثالثة تراقب وتشجب أحيانًا. النتيجة واحدة – المساحة الإنسانية تضيق ، والعالم يشهد ولادة أزمة إنسانية قد تُنسى تفاصيلها بعد انقضاء الأخبار ، لكنها تبقى محفورةً في ذاكرة الضحايا والناجين.
القرار اتُخذ : خيار الصدام صار واضحاً ، وإسرائيل اختارت المضي قدمًا في عملية قد تغير ملامح قطاع غزة إلى الأبد. السؤال الآن موجهٌ إلى العرب والمسلمين وإلى المجتمع الدولي: ما هي البدائل؟ كيف ستتصرف الأصوات التي تصفق للإنسانية في مؤتمرات وبرقيات احتجاج؟ وكم روحا بريئة يجب أن تُفقد قبل أن يتحرك العالم بجدية حقيقية؟
في النهاية ، ما يجري ليس مجرد معركة عسكرية ؛ إنه اختبار لضمائرنا جمعياً. وهل سنظل شهودًا فقط ، أم سنفرض طريقاً يوقف نزف الحياة ويعيد للمدنيين حقهم في الأمان؟