بقلم : يوحنا عزمي
إذا ما حدث ، وما يزال الأمر حتى الآن مجرد إحتمال قائم على سيناريو استراتيجي لم يتبلور بعد ، أن تقوم الصين بتأسيس حلف عسكري ثلاثي يضم روسيا وكوريا الشمالية، فإن العالم سيكون على موعد مع تحول تاريخي غير مسبوق.
الصين التي تصعد بقوة مذهلة على المستويين العسكري والاقتصادي ، وتمتلك جيشاً ضخماً يتطور بوتيرة هائلة، ستجد إلى جوارها روسيا، القوة النووية الأولى في العالم وصاحبة أكبر ترسانة استراتيجية قادرة على تدمير الكوكب أكثر من مرة. وإلى جانبهما تقف بيونغ يانغ، الدولة الصغيرة جغرافياً لكنها صاحبة الكلمة الثقيلة في شبه الجزيرة الكورية ، بما تملكه من صواريخ نووية عابرة للقارات قادرة على الوصول إلى قلب الولايات المتحدة نفسها ، فضلاً عن قدرتها على تهديد اليابان وكوريا الجنوبية بضربة واحدة.
إن ولادة تحالف عسكري بهذا الحجم تعني قلب موازين القوى الدولية رأساً على عقب ، وإعادة إدخال العالم في حقبة جديدة من القطبية الثنائية. قطبية مختلفة عن تلك التي سادت زمن الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو ، وانتهت بانهيار الإتحاد السوفيتي وتفكك حلف وارسو مطلع التسعينيات ، وهو الحدث الذي أطلق يد الولايات المتحدة لتنفرد بقيادة العالم ، وتفرض هيمنتها شبه المطلقة على النظام الدولي ، حتى وصل الأمر إلى أن كبار المنظرين والسياسيين الأمريكيين أعلنوا بثقة أن القرن الحادي والعشرين سيكون “قرناً أمريكياً بامتياز”.
لكن ، ومع تعمق الأزمات الدولية ، وتزايد شعور الكثير من الدول بالاختناق من هذه الهيمنة الأمريكية المنفردة ، يبرز إحتمال أن يكون هذا التحالف الثلاثي، إذا تحقق، هو الطريق الأسرع والأكثر ضماناً لتصحيح اختلالات النظام الدولي الراهن. اختلالات جعلت العالم يفتقر لقطب آخر موازٍ ومكافئ للقوة الأمريكية المدعومة بأوروبا تحت مظلة “الناتو”، وبشبكة تحالفات واسعة تمتد عبر القارات.
روسيا والصين ، رغم قوتهما ، لا تملكان حتى الآن مثل هذا الغطاء الدولي؛ لكن اتحادهما معاً، ومع بيونغ يانغ، قد يشكل المعادل الحقيقي الذي يغير قواعد اللعبة.
ولا يبدو أن قيام مثل هذا التحالف ، رغم ضخامته ، سيكون بالضرورة إعلاناً عن مرحلة أشد خطراً أو تهديداً للأمن والسلم الدوليين مما نحن عليه الآن.
على العكس ، قد يكون هذا التحالف أداة توازن قادرة على كبح جماح القوة الأمريكية التي، بانفرادها، أشعلت صراعات وحروباً دامية من الشرق الأوسط حتى البلقان وأفغانستان.
وجود قوة موازنة بهذا الحجم قد يعيد ضبط الإيقاع الدولي ، ويضع واشنطن في حجمها الطبيعي : قوة عظمى من بين القوى الكبرى، لا القطب الأوحد ولا “سيدة العالم” كما يحاول بعض قادتها ، مثل ترامب وغيره ، أن يرسخوا في وعي البشرية.
ومن المؤكد أن مثل هذا التحالف ، إذا خرج للنور ، سيجد ترحيباً من عدد غير قليل من دول العالم، التي ستراه بمثابة طوق نجاة أو فرصة للهروب من هيمنة النظام الدولي الحالي.
لكن يبقى السؤال : هل الصين نفسها راغبة في المضي قدماً نحو خطوة بهذا الحجم في الوقت الحالي؟
الصين ما تزال تضع الاقتصاد على قمة أولوياتها ، وتتعامل مع العالم من منظور حماية مصالحها التجارية والاستثمارية، لا من خلال سباق عسكري مفتوح.
وربما ترى بكين أنها قادرة ، حتى الآن ، على حماية مصالحها دون الحاجة إلى الدخول في تحالف عسكري رسمي يقيد استراتيجيتها أو يغير أولوياتها.
لذلك ، يظل الأمر معلقاً على تطورات المستقبل وتغير المعطيات : إذا ازدادت الضغوط الأمريكية ، وارتفعت حدة المواجهة مع الصين وروسيا في أكثر من ساحة ، فقد يصبح تشكيل هذا الحلف الثلاثي خياراً واقعياً لا مفر منه.
أما إذا بقيت بكين قادرة على تحقيق أهدافها الاقتصادية والسياسية بوسائل أقل تكلفة ، فقد تفضل الإبقاء على مسافة من هذه الفكرة ، على الأقل في المدى القريب.
باختصار ، نحن أمام احتمال لا يمكن استبعاده ، لكنه أيضاً ليس على وشك التحقق غداً. هو ورقة استراتيجية في يد بكين، يمكن أن تلعب بها إذا شعرت أن النظام الدولي لم يعد يسمح لها بالتحرك منفردة. وحينها، سيكون العالم على موعد مع مشهد جيوسياسي جديد يعيد للأذهان شبح الحرب الباردة ، ولكن بملامح وأبطال مختلفين.