مقالات

“مقامرة القرن”.. هل تُشعل طموحات أبي أحمد المنطقة بأسرها؟

✍️ يوحنا عزمي

رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد يظهر في المشهد السياسي كقائد لا يخشى المخاطرة ، شخص يملك رؤية طموحة لإعادة تشكيل بلاده عبر مشروعات عملاقة تبدو بالنسبة له بوابة لنقلة حضارية واقتصادية جذرية ، لكنه بنفس الوقت يفتح ملفات خطيرة قد تحمل في طياتها شرارة نزاع شامل.

فبداية من سد ضخم يغير معادلات مياه حوض النيل وصولاً إلى خطط لبناء أكبر مطار في أفريقيا ومحطة للطاقة النووية ، تبدو إثيوبيا في عهد أبي أحمد وكأنها تقاوم حدود الجغرافيا والتاريخ لتعيد رسم مكانتها الإقليمية ، غير أن هذه الرؤية ليست بلا ثمن.

إعلان إنجازات مثل تشغيل سد النهضة واعتباره “بشير  فجر الغد” يعكس رغبة جارفة في إنهاء اعتماد إثيوبيا    على المساعدات الخارجية وإطلاق محرك تنموي قوي ،   لكن الاقتصاد الذي يعتمل في العاصمة المزدهرة يعاني    من اختلال قاتل بين صورة رخاء حضري وواقع واسع من الفقر وعدم الاستقرار في الأقاليم ، وهذا الاختلال يفتح باب السخط الاجتماعي ويغذي حركات مسلحة وميلشيات تنتقد ما تعتبره اختزالاً للثروة والتنمية في المركز على حساب الأطراف.

ومع رغبة أديس أبابا الصريحة في استعادة منفذ بحري فقدته منذ انفصال إريتريا عام 1993، يصبح الملف البحري نقطة احتكاك خطيرة ؛ فقد تزامن السعي لإيجاد ممر نحو البحر مع عواطف قومية وإستراتيجيات جيوسياسية، فتارة تُعرض تلك الرغبة على أنها مشروع تنموي حتمي وتارة تُقابل باتهامات من جيرانها بأنها قد تلجأ إلى القوة لفرض  أمر واقع.

والمدهش أن المصالح الإقليمية والإستراتيجيات الكبرى تدخلت لتزيد تعقيد المشهد : مصر التي ترى في النيل شريان حياتها ، رفعت من لهجتها إزاء السد وأكدت استعدادها لاتخاذ كل الخيارات لحماية حصتها، بينما  حاولت القاهرة استغلال التوترات لتعزيز تحالفات أمنية   في المنطقة. من جهتها اتهمت إريتريا إثيوبيا بأنها تتبنى “أجندة حرب” للاستيلاء على الموانئ ، وهو اتهام يعكس مدى هشاشة الثقة بين الجارتين رغم أن أبو أحمد نفسه  حاز جائزة نوبل عن جهود السلام ، لكن السلام المؤقت بين الإثنين لم يعني طي الخلافات الجذرية، بل أحيانا عاد القلق ليضرب الساحة ويجعل المنطقة على حافة احتكاك مفتوح.

داخل إثيوبيا الأمر أكثر تعقيداً ؛ فحتى بعد اتفاق السلام الذي أنهى بشكل رسمي حرب تيجراي في أواخر 2022، تبقى الجبهات الداخلية مشتعلة في إمارا وأوروميا ، حيث تقود ميليشيات مدفوعة بشعور بالغبن والمطالبة بحقوق تاريخية حركات مسلحة متباينة تزرع الخوف وتؤكد أن الاستقرار الوطني هش ومؤهل للانهيار إذا ما ازداد شعور الأقاليم بأنها مهمشة. وما يزيد من خطورة المعادلة هو التباين بين بريق مشاريع العاصمة ومعدلات الفقر المرتفعة التي تطال قرابة نصف السكان ؛ هذا التناقض بين رخاء ظاهر لطبقة أو جهة ومأساة اقتصادية لأغلبية قد يتحول بسرعة إلى وقود لصراعات داخلية وإقليمية.

الخبراء يحذرون من أن أي خطأ في التقدير ـ سواء على مستوى الدبلوماسية أو على مستوى تحركات عسكرية أو تحالفات إقليمية ـ قد يفضي إلى تصعيد لا يمكن احتواؤه بسهولة ، وأن الطموح الإثيوبي للوصول إلى البحر مهما بدا مشروعا تنمويا فإنه يحتوي عنصر مخاطرة جيوسياسية قد يجر المنطقة كلها إلى دوامة فوضى.

إذن ، السؤال المركزي يبقى : هل ستنجح طموحات أبي أحمد في فرض واقع جديد يخدم تطلعات بلاده ويعيد توزيع موازين القوى في القرن الإفريقي بصورة مستقرة ومزدهرة ، أم أن السعي نحو البحر والتوسع بالوسائل الاقتصادية والسياسية سيقود إلى غرق المنطقة في اضطرابات أعمق؟

الواقع اليوم يشي بأن الطريق طويل ومليء بالعقبات ، وأن رهانات القيادة الإثيوبية يمكن أن تتحول من مشروع نهضة إلى شرارة لصراع أوسع إذا لم تُدار بحذر شديد وبدون استبعاد احتمالات التسامح والتسوية مع الجيران والمكونات الداخلية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!