✍️ يوحنا عزمي
في خطوة غير مسبوقة واعتُبرت مفصلية في مسار العلاقات الثنائية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية باكستان الإسلامية، أعلن الجانبان مؤخرًا عن توقيع اتفاقية دفاع مشترك ، تعد الأولى من نوعها في تاريخ علاقتهما الطويلة التي امتدت لعقود من التعاون والدعم المتبادل.
الاتفاقية جرى توقيعها في العاصمة السعودية الرياض، بحضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف ، ونصت بوضوح على أن أي اعتداء على إحدى الدولتين يُعتبر اعتداءً مباشرًا على الأخرى، بما يعني التزامًا متبادلًا بالدفاع والتنسيق العسكري الكامل بين الطرفين.
أبعاد الاتفاقية ومعانيها الإستراتيجية
بمجرد دخول الاتفاقية حيّز التنفيذ ، تصبح المملكة العربية السعودية فعليًا تحت مظلة الردع النووي الباكستاني. وهنا تكمن الأهمية الكبرى : فالجميع يعلم أن باكستان تُعد قوة نووية راسخة ومعترف بها دوليًا ، وأن السعودية كانت – منذ عقود – أحد أبرز الداعمين للبرنامج النووي الباكستاني.
يشير الخبراء إلى أن التمويل السعودي الذي ضُخ في تسعينيات القرن الماضي ساهم في تمكين باكستان من تطوير قنبلتها النووية ، وهو المشروع الذي ارتبط باسم العالم الشهير عبد القدير خان، الملقب بـ”أبو القنبلة النووية الباكستانية”.
وبذلك، فإن السعودية – للمرة الأولى في تاريخها – باتت تمتلك ما يشبه “مظلة ردع نووية” دون الحاجة للدخول في مشاريع محلية قد تضعها في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة أو المجتمع الدولي ، أو أن تتحمل تبعات سياسية ودبلوماسية معقدة.
تداعيات إقليمية ودولية
الاتفاق لم يأتِ في فراغ سياسي ، بل تزامن مع تغيرات إقليمية متسارعة. فالضربة الإسرائيلية التي استهدفت الدوحة مؤخرًا مثلت نقطة تحول خطيرة، وأثرت على الثقة الخليجية في المظلة الأمنية الأمريكية. هذا الحادث – بحسب مراقبين – قد يكون الدافع المباشر الذي عجل من توجه الرياض نحو خيار التحالف مع إسلام آباد.
النتيجة : واشنطن تجد نفسها اليوم أمام خسارة أحد أهم مرتكزاتها في المنطقة ، بعدما ظل الخليج لعقود يعتمد على الحماية الأمريكية كضمانة أمنية أولى.
جزء من حراك إقليمي أكبر
لا يمكن النظر إلى الاتفاق السعودي– الباكستاني بمعزل عن السياق الإقليمي الأشمل. خلال قمة الدوحة الأخيرة، التقى رئيس الوزراء الباكستاني بالرئيس المصري، بالتوازي مع دعوة القاهرة إلى صياغة آلية موحدة لحماية المصالح المشتركة للدول الإسلامية.
ورغم أن تفاصيل هذه المباحثات لم تُكشف بعد ، إلا أن المؤشرات توحي بأن الاتفاق الحالي قد يكون مقدمة لشبكة أوسع من التفاهمات الثنائية والمتعددة الأطراف ، تمهيدًا لقيام تكتل دفاعي إسلامي مشترك.
إمكانية ولادة محور إسلامي جديد
يرى بعض المحللين أن الخطوة السعودية – الباكستانية تمهد الطريق نحو تحالف أوسع يضم دولًا محورية مثل مصر وتركيا وإيران ، بهدف تشكيل قوة ردع إسلامية متكاملة قادرة على مواجهة التهديدات الإسرائيلية ومخططاتها التوسعية في المنطقة.
فالمشروع الإسرائيلي – كما يراه كثيرون – لا يتوقف عند حدود فلسطين التاريخية، بل يشمل محاولات التأثير أو السيطرة على أجزاء من السعودية ومصر وسوريا ولبنان والأردن. وبالتالي، فإن قيام محور إسلامي متماسك قد يكون الرد الاستراتيجي على هذه الطموحات.
استثناء قطري لافت
اللافت في هذا السياق أن قطر اختارت اتجاها مختلفاً ، إذ سارعت إلى توسيع اتفاقياتها الدفاعية مع الولايات المتحدة عقب القمة، متجاهلة تمامًا الضربة الإسرائيلية الأخيرة. هذا الموقف يثير تساؤلات حول وحدة الصف الخليجي، لكنه في المقابل يعزز قناعة البعض بضرورة قيام تكتل جديد يضم من يرغب فعلًا في بناء مظلة دفاعية مشتركة مستقلة عن الغرب.
ما حدث بين الرياض وإسلام آباد ليس مجرد توقيع اتفاقية ثنائية عابرة ، بل هو تحول استراتيجي كبير يُعيد ترتيب موازين القوى في المنطقة ، ويؤسس لمرحلة جديدة من التعاون العسكري–الإسلامي.
هذه الاتفاقية قد تُسجل في المستقبل كنقطة الانطلاق الأولى نحو ميلاد قوة إسلامية مشتركة، وربما تكون بداية النهاية لاعتماد المنطقة المفرط على الحماية الأمريكية.