✍️ يوحنا عزمي
اصبحت قضايا حقوق الإنسان هي البضاعة المغشوشة التي تتاجر بها وتتربح من ورائها الدول والأنظمة التي تتصرف فيها وتشكل مواقفها منها تبعا لما تمليه عليها مصالحها واهواؤها ، او لتصفية حساباتها مع غيرها بتوظيفها لهذه الشعارات الإنسانية البراقة بصورة انتهازية لا علاقة لها بهذه القضايا الإنسانية والأخلاقية النبيلة من قريب او بعيد .. وما حدث ويحدث في غزة من انتهاكات جسيمة ومروعة لحقوق الإنسان ، كشف الغطاء عن كل هذا النفاق الدولي الذي يملأ العالم حول ما يسمي بالدفاع عن حقوق الإنسان.
ودعونا مرة أخري نتساءل : إذا كانت المحكمة الجنائية الدولية تخضع للترهيب والترويع من قبل الدولة الديموقراطية الأولي في العالم علي حد زعمها ، لارغامها علي التوقف عن متابعة اجراءاتها ضد ما ترتكبه إسرائيل من انتهاكات ومخالفات صارخة في الأراضي الفلسطينية المحتلة .. فأين المجلس الدولي لحقوق الإنسان في جنيف ، وهو الجهاز الدولي المعني بمساءلة الدول عن انتهاكاتها لحقوق الإنسان ، والذي يمكنه استخدام صلاحياته الواسعة التي خولتها له لائحة النظام الأساسي الذي نشأ بموجبه هذا الجهاز الدولي المهم من اجهزة الأمم المتحدة والذي يضم في عضويته ٤٧ دولة تتابع وترصد وتعرف ما يحدث من انتهاكات لحقوق الإنسان في كل دول العالم بالأدلة الموثقة وتقارير المتابعة التفصيلية الشاملة المنقولة إليها من خلال مصادرها التي تأتيها منها وتثق فيها.
لماذا غاب المجلس الدولي لحقوق الإنسان تماما من صورة حرب الإبادة الجماعية الشاملة التي تنفذها إسرائيل في غزة منذ نحو ثمانية شهور ولا تريد لها ان تتوقف او تهدأ؟
لماذا لم يسمع العالم عن دور او موقف لهذا المجلس الدولي ولا حتي إشارة واحدة صدرت عنه حول مسئولية إسرائيل عن جرائمها ضد الإنسانية في غزة وعما يجب علي العالم ان يفعله لوقفها ووضع حد لها ؟
كل هذا قد تلاشي واختفي وكأن المجلس الدولي لحقوق الإنسان يعيش في كوكب آخر ولا يدري شيئا عن هذا الذي يحدث في الأراضي الفلسطينية المحتلة من إبادة وتهجير قسري ومن ترويع وحصار وتجويع ، الخ.
وأتصور أنه لو كانت هذه المجازر والانتهاكات والجرائم ضد الإنسانية ترتكبها دولة اخري غير إسرائيل ، وفي منطقة اخري غير غزة العربية ، لقامت قيامة المجلس الدولي لحقوق الإنسان ولم تقعد ، ولاخذت امريكا هذا المجلس والعالم كله ضدها.
وهو ما يتفق وسياسة المعايير المزدوجة التي اعتادت عليها ولم يعد العالم يستغربها منها .. فهي تدافع عن الشيئ ونقيضه في نفس الوقت .. وهذا هو النفاق بعينه لأنها لا تعني ما تقوله ، او انها تقول ما لا تفعله.
ويبقي التساؤل الذي يبحث عن إجابة له وهو لماذا لا تتوجه الحكومات العربية بالسؤال إلي أمين عام الأمم المتحدة جوتيريتش عن اسباب هذا الشلل او الفشل الذريع للمجلس الدولي لحقوق الإنسان الذي كان يتوقع منه ان يكون اسبق الأجهزة الدولية المعنية بقضايا حقوق الإنسان في العالم في مناقشة جرائم الحرب في غزة وتحديد موقفه منها بحكم مسئوليته عنها ؟.
ولماذا غاب عن موقف أخلاقي وإنساني كان هو المبرر الذي من أجله نشأ ليسأل الدول عن جرائمها ضد الإنسانية بلا تفرقة او تمييز بين دولة كبيرة واخري صغيرة، فالقانون قانون فوق رءوس الجميع خاصة عندما يتعلق تطبيقه بحماية القيم الأخلاقية والإنسانية للمجتمع الدولي ضد اي عدوان يقع عليها من هنا او هناك ؟
ولماذا سكت وقت ان كان مطلوبا منه ان ينطق ويتكلم ؟ واليس في تسييس هذه الأجهزة الدولية المهمة والتي يفترض فيها الحياد والشفافية والنزاهة والموضوعية الطريق إلي نهايتها وانعدام ثقة المجتمع الدولي فيها ؟
