بقلم : يوحنا عزمي
لم يكن توقيت الدعوة التي وجهها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لقادة مصر والسعودية والإمارات وقطر والأردن وتركيا لحضور اجتماع عاجل في البيت الأبيض بشأن حرب غزة مصادفة.
الدعوة جاءت بعد ساعات قليلة من اعتراف بريطانيا ، ومعها كندا وأستراليا ، بدولة فلسطين ، وهي خطوة أحدثت زلزالًا سياسياً في موازين الصراع العربي– الإسرائيلي.
السؤال الأهم هنا : ما الذي يريده ترامب؟ وما هي السيناريوهات المحتملة لما بعد هذا الاجتماع؟
السيناريو الأول : هدنة سريعة تحفظ ماء الوجه
ترامب يريد أن يظهر كصانع سلام ، خصوصاً في ظل الانتقادات المتصاعدة لواشنطن التي فقدت زمام المبادرة لصالح الأوروبيين.
الدور العربي : مصر والأردن لهما خبرة طويلة في الوساطة ، وقطر وتركيا تملكان قنوات مفتوحة مع حماس.
النتيجة المتوقعة : دفع الأطراف نحو وقف إطلاق نار مؤقت ، يتيح لإسرائيل التقاط أنفاسها ، ويمنح واشنطن ورقة سياسية لتقول إنها ما زالت قادرة على إدارة الصراع.
السيناريو الثاني : صفقة كبرى مؤجلة
قد يسعى ترامب إلى طرح “خطة أكبر” شبيهة بما عُرف سابقاً بـ “صفقة القرن”، ولكن بحلة جديدة ، تعتمد على:
تعزيز الدور الخليجي في إعادة إعمار غزة.
تقديم تنازلات فلسطينية جزئية مقابل خطوات إسرائيلية محدودة.
الدفع باتجاه اعتراف أمريكي مشروط بالدولة الفلسطينية مستقبلاً.
هذا السيناريو سيصطدم بعقبة كبيرة : رفض إسرائيل لأي مسار يقيد تحركاتها العسكرية أو الاستيطانية.
السيناريو الثالث : اجتماع استعراضي
من المحتمل أن يكون الهدف مجرد “عرض سياسي” أمام الداخل الأمريكي والعالم :
ترامب يظهر بمظهر القائد الذي يجمع العرب والأتراك في واشنطن.
لا نتائج حقيقية على الأرض ، سوى بيانات فضفاضة عن “أهمية السلام” و”ضرورة ضبط النفس”.
هذا السيناريو مرجح بقوة إذا استمر التشدد الإسرائيلي ورفض تل أبيب أي ضغوط.
رد الفعل العربي : بين الترحيب والتحفظ.
القاهرة ستتعامل مع الدعوة بحذر. فهي صاحبة الدور التقليدي في إدارة الملف الفلسطيني ، ولن تقبل أن يتم تجاوزها أو اختزالها.
مصر قد تشارك لتأكيد حضورها ، لكنها في الوقت نفسه ستسعى إلى :
تثبيت دورها كوسيط أساسي لا يمكن تجاوزه.
ضمان أن أي تسوية لا تمس الأمن القومي المصري ولا تفتح الباب لتغييرات في غزة تهدد حدودها.
السعودية والإمارات قد تستغلان الدعوة لتأكيد صورتهما كقوتين محوريتين في المنطقة ، وربما لربط أي تسوية بملفات أوسع مثل العلاقات مع واشنطن ، وصفقات السلاح ، ومستقبل التطبيع مع إسرائيل.
قطر ستلعب ورقة علاقتها مع حماس ، لتظهر كطرف لا غنى عنه في أي مسار سياسي أو تفاوضي.
الأردن ستشارك لتأكيد دورها في حماية المقدسات الإسلامية في القدس ، وللتخفيف من الضغط الداخلي الذي يتصاعد مع كل تصعيد في غزة.
تركيا ستدخل الإجتماع بخطاب قوي ، محاولة استثمار شعبيتها المتزايدة في العالم الإسلامي بعد مواقفها الداعمة للفلسطينيين ، لكنها في النهاية قد تنسق مع واشنطن لضمان مصالحها الإستراتيجية.
دعوة ترامب ليست مجرد اجتماع عاجل بشأن غزة ، بل هي محاولة لإعادة التموضع الأمريكي في الشرق الأوسط بعد “صفعة الاعتراف البريطاني بفلسطين”.
لكن مصير هذه الدعوة سيعتمد على ثلاثة عوامل رئيسية:
مدى إستعداد إسرائيل لقبول أي ضغوط.
قدرة الدول العربية على تنسيق مواقفها وعدم الاكتفاء بالحضور الرمزي.
مدى جدية واشنطن في الانتقال من الكلام إلى الفعل.
حتى الآن ، تبدو كل السيناريوهات مفتوحة ، لكن الواضح أن القاهرة ستلعب دوراً محورياً في تحديد شكل ومضمون أي مخرجات من هذا الاجتماع ، لأنها ببساطة “المفتاح” لأي معادلة تخص غزة وحدودها ومستقبلها.