✍️ يوحنا عزمي
لم يكن صباح اليوم عادياً في شرم الشيخ. فالمكان الذي شهد ميلاد اتفاقيات وسلامات مترددة ، يعود اليوم إلى الواجهة – لكن هذه المرة وسط حرب أنهكت الجميع ، وخرائط سياسية تتبدل في كل لحظة.
منذ أيام ، تتسارع وتيرة التحركات السياسية على نحوٍ غير مسبوق. واشنطن أعادت إمساك خيوط اللعبة ، وترامب – الذي عاد إلى المسرح السياسي بوجه المنتصر على الفوضى – أعلن أنه “سيصنع سلام القرن من جديد”.
مصر ، كالعادة ، تتوسط النار والرماد ، ممسكة بخيط الدبلوماسية من طرفيه ، بينما تتأرجح حماس بين البقاء والمصالحة ، وإسرائيل بين الرغبة في الهدوء والخوف من الخسارة السياسية.
مصر … اللاعب الذي لا يُستغنى عنه
القاهرة اليوم تُثبت مجددًا أنها مركز الثقل في الإقليم.
فمن قلب سيناء ، حيث كانت المعارك ذات يوم ، يُعقد مؤتمر يسعى لصناعة “سلام جديد” يوقف النزيف الفلسطيني والإسرائيلي.
السيسي يدرك أن الفرصة أكبر من مجرد هدنة – إنها فرصة إعادة رسم الشرق الأوسط بيدٍ مصرية.
القمة تحمل بصماته الواضحة : لغة متوازنة ، دعوة شاملة وتأكيد على أن “السلام لا يُفرض بالسلاح ، بل بالعقل والحكمة”.
ترامب … صانع الصفقة أم تاجرها؟
عودة ترامب إلى المشهد بهذا التوقيت ليست صدفة.
فالرجل يسعى إلى تثبيت إرث سياسي جديد قبل نهاية العام ، وقد يكون مؤتمر شرم الشيخ بوابته الذهبية لذلك.
تسريبات أمريكية تشير إلى أن البيت الأبيض أعد “خطة سلام شاملة” تتضمن :
وقفاً دائماً لإطلاق النار في غزة.
تشكيل سلطة فلسطينية موحدة بمشاركة حماس تحت إشراف مصري – أمريكي.
فتح ممر اقتصادي بين غزة والعالم برعاية خليجية.
وتعهد إسرائيلي بعدم تنفيذ عمليات عسكرية جديدة مقابل نزع السلاح الثقيل من القطاع تدريجياً.
لكن السؤال : هل هذا سلام .. أم صفقة تضمن لإسرائيل الأمن وتمنح الفلسطينيين إدارة بلا سيادة ؟
السيناريوهات المحتملة لقمة شرم الشيخ
سيناريو النجاح الجزئي :
يتم التوقيع على “إعلان نوايا” بوقف دائم للنار ، مع لجنة ثلاثية (مصرية – أمريكية – قطرية) لمتابعة التنفيذ.
هذا السيناريو يمنح الجميع “صورة نصر” أمام شعوبهم دون حلول جوهرية.
سيناريو الصفقة الكبرى :
إطلاق عملية سياسية شبيهة بـ”أوسلو 2″، تتضمن جدولاً زمنياً لتسليم إدارة غزة ، وتطبيعاً اقتصادياً عربياً مقابل التهدئة.
لكنه يحمل خطر إنفجار جديد في حال شعرت المقاومة الفلسطينية بأنها جُردت دون مقابل.
سيناريو الفشل المؤجل :
فشل التفاهمات وعودة التصعيد ، لكن بعد خروج ترامب ونتنياهو والسيسي بتصريحات “إيجابية” ، لتجنب الإحراج الإعلامي.
ما وراء المؤتمر .. القمة ليست فقط عن غزة
إنها بروفة مبكرة لإعادة توزيع النفوذ في الشرق الأوسط بعد عام من الفوضى.
مصر تسعى لاستعادة مركز القيادة ، وواشنطن تريد تطويق النفوذ الإيراني ، ونتنياهو يبحث عن طوق نجاة ، بينما الشعب الفلسطيني هو الورقة التي لا تزال تُدفع ثمن اللعبة كلها.
قمة شرم الشيخ قد تُكتب في التاريخ كـ “لحظة ميلاد سلام جديد” .. أو كـ “صفقة قرن أخرى” تحت غطاء السلام.
وفي كل الأحوال ، تبقى مصر – شاء الجميع أم أبوا – المسرح الذي تُكتب عليه فصول الحرب والسلام.
ما الذي يمكن أن تعلنه القمة خلال الساعات القادمة؟
كل الدلائل تشير إلى أن البيان الختامي لقمة شرم الشيخ لن يكون عادياً ، بل مصاغاً بلغة محسوبة توازن بين التهدئة والسيادة ، وبين المصالح الإقليمية وضرورات الأمن الدولي.
مصادر دبلوماسية تتحدث عن نصٍ “متدرج” في صياغته بحيث يمنح كل طرف مساحة للعودة إلى جمهوره دون أن يبدو خاسراً.
الإحتمالات الأقرب تتضمن ما يلي :
إعلان وقف شامل ودائم لإطلاق النار في غزة ، يبدأ خلال 48 ساعة تحت إشراف لجنة مراقبة مشتركة ( مصر – الولايات المتحدة – قطر – الأمم المتحدة).
بدء مفاوضات سياسية موسعة بين الفصائل الفلسطينية في القاهرة خلال أسبوعين ، لبحث تشكيل “سلطة موحدة” تدير القطاع وتعيد الإعمار.
تعهد إسرائيلي مكتوب بعدم تنفيذ عمليات عسكرية جديدة ، مقابل التزام فلسطيني بوقف إطلاق الصواريخ وإغلاق الأنفاق.
فتح الممر الاقتصادي الدولي بين رفح والعالم ، بمشاركة إماراتية وسعودية ، ما قد يحول غزة إلى “منطقة إنعاش اقتصادي” تمهد لحلول أعمق.
بيان تأييد دولي لخطة ترامب للسلام الجديدة ، مع تحفظات عربية “شكلية” لتجنب إحراج الموقف الفلسطيني.
لكن المفاجأة الكبرى قد تكون في الفقرة الأخيرة من البيان – التي قد تلمح إلى بدء مرحلة “إعادة هيكلة السلطة الفلسطينية” ، بإشراف مباشر من مصر والولايات المتحدة، وهو ما يعني فتح الباب أمام مرحلة سياسية جديدة تماماً في المنطقة.