مقالات

يوحنا عزمي : روما .. عاصمة التنازلات أم معركة كسر العظم؟

في العاصمة الإيطالية روما ، تدور جولة جديدة من المباحثات النووية بين وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ، والمبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف ، الموفد الشخصي للرئيس دونالد ترامب.

مفاوضات تُدار تحت مظلة وساطة عمانية هادئة ، لكنها في حقيقتها أشبه بحقل ألغام سياسي يتربص بكل خطوة وكلمة وغمزة عين.

الهدف المُعلن : إتفاق نووي جديد يُرضي الهواجس الأمريكية والإسرائيلية والأوروبية ، ويُقنع العالم بأن إيران لن تصبح يومًا قوة نووية ضاربة. لكن الشيطان كعادته يكمن في التفاصيل ، والتفاصيل هنا ليست مجرد بنود تفاوض، بل صراع إرادات وأحلام وقصص ثأر لم تُطو صفحتها بعد.

أمريكا تدخل بـ”صفقة مستحيلة”

واشنطن لا تخفي شروطها التي تكاد تشبه وثيقة استسلام نووي : لا تخصيب يورانيوم حتى إلى أدنى مستوى ، نقل المخزون عالي التخصيب إلى دولة ثالثة – روسيا مرشحة لذلك – مع فرض نظام رقابة وتفتيش دولي دائم وشامل ، وتحويل المنشآت النووية الإيرانية إلى ما يشبه “غرف زجاجية” مكشوفة أمام وكالة الطاقة الذرية في كل وقت وحين. كل ذلك مقابل فقط : عدم تدمير هذه المنشآت عسكرياً.

إيران .. ذاكرة ليبيا لا تغيب

الرد الإيراني ليس صاخبًا ، لكنه محمل برائحة التاريخ. طهران ترفض إعادة إنتاج سيناريو القذافي. ترفض أن تُفرغ من طموحها النووي كما فُرغ القذافي من سلاحه ، بل ومن أسراره ، ومن هيبته. يومها ، قدم الزعيم الليبي برنامجه النووي على طبق من ذهب لأمريكا ، شحن مفاعلاته ومعداته وأسراره وخبراءه – وعلى رأسهم عبد القدير خان – إلى واشنطن ، فقط ليحظى بـ”رضا العم سام”.

لكن ما ناله في النهاية لم يكن الرضا ، بل التصفية. النهاية البشعة في سرت لا تزال شبحًا يُطارد كل زعيم يفكر بالتنازل الكامل للغرب. طهران تعرف الدرس جيدًا ، وقد حفظته عن ظهر قلب.

بين “القذافية” و”الخامنئية”

شتان بين من يتفاوض باندفاع غريزي وبين من يفاوض ببرود استراتيجي. إيران الخامنئية لا تبيع أسرارها ولا تهدي مفاعلاتها، لكنها تعرف متى تتقدم ، ومتى تتراجع خطوة لتكسب اثنتين. حتى حين تبدو متصلبة ، فهي تقرأ اللحظة السياسية بعين مدربة ولا تتصرف في فراغ.

طهران لا تبحث عن مواجهة مفتوحة ، لكنها لن تكرر خطيئة القذافي. وإن بدا أن الطريق إلى الاتفاق ما يزال طويلاً ، فإن ما يجري في روما ليس مجرد تفاوض ، بل اختبار صلابة وكشف نيات .. ورسم لمستقبل الشرق الأوسط لعقود قادمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!