✍️ يوحنا عزمي
جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وجرائم الحرب وغير ذلك كله من الجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل في غزة ورفح هي جرائم اسوأ وافظع واشد كارثية في وحشيتها ودمويتها ونتائجها مما حدث في إقليم البوسنة والهرسك بين عامي ١٩٩٢ و١٩٩٥ علي يد نظام الحكم العنصري الإرهابي في صربيا ..
وهي المجازر البشرية التي شكلت وقتها كابوسا للعالم وتحديا سافرا لكل قيمه واخلاقياته ولمواثيق واعلانات وعهود حقوق الإنسان.
كانت مذبحة سربرنتشيا في عام ١٩٩٢ والتي راح ضحيتها ثمانية آلاف مسلم مدني اعزل في البوسنة هي افظع تلك المجازر الوحشية وتلاها حصار سراييفو وترحيل واعتقال اكثر من ربع مليون مسلم من موطن اقامتهم.. وهو ما دفع إدارة الرئيس الأمريكي بيل كلنتون إلي التدخل لوقف هذه الحرب العنيفة من حروب الإبادة الجماعية وارغمت الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسفيتش الملقب بجزار البلقان علي توقيع اتفاقية دايتون في نوفمبر ١٩٩٥ التي انهت حرب الإبادة الدائرة في البوسنة ..
وبعدها تدخل الناتو عسكريا ضد صربيا بسبب ما كان يجري من تطهير عرقي في كوزوفو ، وانتهت عملية الناتو بالاطاحة بميلوسفيتش ونظامه وتقديمه فيما بعد لمحكمة جرائم الحرب في يوغسلافيا السابقة ووجهت إليه المحكمة ستين اتهاما بارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ، وطالت جلسات المحاكمة وفي مارس ٢٠٠٦ عثر عليه ميتا في زنزانته.
ولم يكن سلوبودان ميلوسفيتش وحده هو من حوكم أمام محكمة جرائم الحرب في يوغسلافيا السابقة ، وانما لحق به رادوفان كاراديتش ، الرئيس السابق لجمهمورية صرب البوسنة والملقب بسفاح البوسنة الذي حوكم وادين عن ارتكابه جرائم حرب وجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وحكم عليه بالسجن المؤبد كما حاكمت المحكمة وحش البوسنة الآخر راتكو ملاديتش رئيس اركان جيش جمهورية صرب البوسنة وادين وحكم عليه بالسجن مدي الحياة عن دوره الإجرامي الكبير في جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وانتهاكات قانون الحرب ومذبحة سربرنتشيا وحصار سراييفو ، الخ.
هذا هو ما حصل مع مجرمي الحرب اليوغسلافيين الصرب محاكمات وادانات واحكام بالسجن مدي الحياة. اما ما يحدث مع مجرمي الحرب الإسرائيليين في غزة ، فهو شيئ مختلف تماما فلا هم مثلوا أمام القضاء الجنائي الدولي لمحاكمتهم علي جرائمهم ولا قرارات هذه المحاكم الجنائية الدولية وجدت طريقها إلي التنفيذ ، وهو ما جعل حرب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين تستمر وتتواصل في اكثر صورها دموية ووحشية.
ودلالة هذا التمييز بين ما حدث في يوغسلافيا السابقة وما يحدث حاليا في غزة ، سلبية بل وخطيرة للغاية .. فهي تكشف عن عدم تورع الغرب عن تطبيق سياسة المعايير والأحكام المزدوجة المستندة في أساسها إلي معيار التمييز العنصري بين الشعوب والمجتمعات التي يستهدفها العدوان السافر علي الشعوب والمتمثل اساسا في محاولة ترويعها بجرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية وانتهاكات قوانين الحرب ومبادئ القانون الدولي الإنساني وما إلي غير ذلك من الجرائم الدولية المحظورة .
وذلك علي الرغم من ان جريمة العدوان بهذا المفهوم الشامل واحدة بطبيعتها ولا تقبل التجزئة بين جرائم مشروعة ومبررة واخري ليست كذلك ، فضلا عن ان تجريم القوانين والمواثيق الدولية لها ، يستند إلي نفس الأسس والمعايير القانونية والسياسية والأخلاقية والإنسانية .. ووحدة المعايير كانت توجب وتقتضي عدم التمييز في تطبيقها بين شعب أوروبي كالشعب اليوغسلافي في البوسنة والهرسك وكوزوفو وآخر عربي كالشعب الفلسطيني في غزة ورفح والضفة الغربية .. فالضحايا هم في النهاية وفي كل الأحوال جميعا بشر عزل لا حول لهم ولا قوة .. وهذه هي المأساة الحقيقية التي يعيشها الشعب الفلسطيني مع نفسه ومع العالم كله الآن.